ميتا بين الخصوصية والأغراض العسكرية: قراءة تحليلية لأحدث التطورات

ميتا بين الخصوصية والأغراض العسكرية: قراءة تحليلية لأحدث التطورات
كتب د. وائل بدوى
منذ فضيحة Cambridge Analytica، وشركة ميتا (Meta) تسير على حافة الهاوية فيما يتعلق بالخصوصية والمساءلة. يبدو أن الشركة التي كانت تتظاهر بالحفاظ على خصوصية المستخدمين، قررت أن تلعب “على المكشوف”. ولكن إذا كان ما حدث في السنوات السابقة جديرًا بالاهتمام، فإن ما حدث خلال الأشهر القليلة الماضية يمكن وصفه بإعلان “الحرب التكنولوجية”.
أولاً: التوجه العلني للبيانات المشتركة
في 22 يوليو 2024، أصدرت ميتا إعلانًا بعنوان AI Disclosures. في هذا الإعلان، ذكرت الشركة بوضوح أنها قد تستخدم الصور والمعلومات التي يرفعها المستخدمون لتحسين التكنولوجيا أو لأغراض تجارية أخرى وفقًا لسياسة الخصوصية الخاصة بها. المثير للجدل أن هذه السياسة تفتح الباب أمام مشاركة البيانات بين المستخدمين دون أي حواجز تُذكر.
ميتا بين الخصوصية والأغراض العسكرية: قراءة تحليلية لأحدث التطورات

نص الإعلان، باختصار، يعني أن أي محتوى تقوم بتحميله يمكن أن يصبح متاحًا للجميع تحت غطاء تحسين الخدمة. وهذا يمثل إقرارًا صريحًا بمشاركة بيانات المستخدمين بشكل يثير القلق بشأن مدى سيطرة ميتا على هذه المعلومات.
ثانيًا: حماية ميتا من المساءلة القانونية
في 23 أغسطس 2024، أعلنت ميتا عن AI Verification Terms، التي تضمنت فقرة خطيرة تُلزم المستخدمين بالتنازل عن حقهم في رفع أي دعاوى قضائية ضد الشركة فيما يتعلق باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
هذا الإعلان أثار قلق خبراء الخصوصية، خاصة في ظل قوانين مثل Illinois Biometric Information Privacy Act، التي تُعتبر واحدة من أكثر التشريعات حماية للبيانات البيومترية. يبدو أن ميتا كانت تُحصّن نفسها قانونيًا ضد أي محاولات مستقبلية للمساءلة.
ثالثًا: الصين وكسر القيود على Llama
في 1 نوفمبر 2024، نشرت رويترز تقريرًا عن باحثين صينيين تابعين للجيش الصيني قاموا بتطوير محرك الذكاء الاصطناعي Llama الخاص بميتا ليصبح نموذجًا جديدًا يُعرف بـ ChatBIT. هذا النموذج تم توجيهه لأغراض عسكرية، مما يُعتبر Jailbreaking للمحرك، الذي لم يكن مُصممًا لهذا الاستخدام.
رغم أن التفاصيل الدقيقة حول كيفية تنفيذ هذا الاختراق ظلت غامضة، فإن البنتاجون الأمريكي لم يقف مكتوف الأيدي، وأعلنت ميتا بعدها عن تحديثات صارمة لمحرك Llama. تضمنت التحديثات فرض قيود تمنع أي مستخدم من تعديل المحرك دون الحصول على إذن مباشر من الشركة.
رابعًا: ميتا تُعلن الحرب بشكل علني
في 4 نوفمبر 2024، أعلنت ميتا عن تقديم Full Access لمحرك Llama للحكومة الأمريكية ولتحالف الاستخبارات المعروف باسم Five Eyes، الذي يضم الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، أستراليا، ونيوزيلندا.
هذا الإعلان كان نقطة تحول كبرى، حيث خرقت ميتا بوضوح سياستها السابقة التي تمنع استخدام محركاتها لأغراض عسكرية.
خامسًا: فضيحة كوريا الجنوبية
في 5 نوفمبر 2024، أصدرت هيئة حماية المعلومات الكورية (PIPC) تصريحًا يتهم ميتا بانتهاك خصوصية حوالي 980 ألف مواطن كوري، باستخدام بياناتهم وبيعها دون إذن.
هذه الفضيحة أدت إلى فرض غرامة قدرها 15 مليون دولار على ميتا، كما كشفت التحقيقات عن بيع الشركة للبيانات لأكثر من 4,000 شركة إعلانية، مع رفضها إظهار البيانات الشخصية للمستخدمين الذين طلبوا الاطلاع عليها.
ماذا بعد؟ “ميتا بين الخصوصية والأغراض العسكرية: قراءة تحليلية لأحدث التطورات”
ما حدث مع ميتا يُبرز مشكلة عالمية متنامية تتعلق بالخصوصية والسيادة التكنولوجية. الشركات الكبرى مثل ميتا تتحول بشكل متزايد إلى أدوات يمكن استخدامها لأغراض تتجاوز حدود الابتكار، لتصل إلى المجالات العسكرية والاستخباراتية.
الأمر الذي يدعو للتأمل هو أن هذا لا يقتصر على ميتا وحدها. مع تصاعد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في جميع المجالات، يصبح الاستثمار في أنظمة الأمن السيبراني الوطني ضرورة حتمية. الدول التي تتجاهل هذا الأمر قد تجد نفسها عُرضة للهجمات التي يمكن أن تحدث بضغطة زر.
كلمة المؤلف عن “ميتا بين الخصوصية والأغراض العسكرية: قراءة تحليلية لأحدث التطورات”
ميتا ليست مجرد شركة تقدم منصات اجتماعية؛ إنها كيان عملاق يمتلك القدرة على إعادة تشكيل العالم الرقمي بما يخدم مصالحه. ومع ذلك، فإن هذه القوة تحمل معها مسؤوليات كبرى تتعلق بالشفافية وحماية الخصوصية. ما حدث في الأشهر الأخيرة يُظهر أن العالم بحاجة إلى تشريعات وسياسات أقوى لحماية المستخدمين من الانتهاكات التكنولوجية.
ميتا بين الخصوصية والأغراض العسكرية: قراءة تحليلية لأحدث التطورات
وربما كما نقول دائمًا، “ربنا يديم علينا نعمة الستر”.