الإعلام وتعزيز الهوية الثقافية: إطلاق الاتحاد العربي للإعلام والثقافة

الإعلام وتعزيز الهوية الثقافية: إطلاق الاتحاد العربي للإعلام والثقافة
كتب ا. د. وائل بدوى
في زمنٍ أصبح فيه العالم قرية صغيرة، تتدفق فيها الثقافات عبر الشاشات والهواتف في لحظات، تبرز أهمية الإعلام كحصن متقدم لحماية الهوية الثقافية وتعزيزها، لا مجرد وسيلة اتصال عابرة.
الإعلام اليوم لم يعد محايدًا؛ بل صار شريكًا فاعلًا في صياغة وعي الأفراد والمجتمعات، وصناعة صورة الذات، أو طمسها تحت وطأة الغزو الثقافي الناعم.
في هذا الإطار، يبرز دور شخصيات ملهمة في الدفاع عن أصالة الثقافة العربية، ومن بينهم الدكتورة حنان يوسف، مؤسس الاتحاد العربي للإعلام والثقافة، التي كانت من أوائل من نبهوا إلى العلاقة الجدلية العميقة بين الإعلام والثقافة، وحذرت من خطر الانفصال بينهما في زمن العولمة الطاغية.
تستطيع وسائل الإعلام أن تكون جسرًا يصل الماضي بالحاضر، والذات بالآخر، حين تركز على إبراز ملامح الثقافة المحلية: التراث، العادات، الفنون، والأدب.
فبرامج وثائقية تعرض تاريخ المدن القديمة، ومسلسلات تحكي قصص الأبطال الشعبيين، وأمسيات شعرية تحتفي بالكلمة العربية، كلها تسهم في تعزيز الفخر بالهوية والانتماء الحضاري.
لكن الوجه الآخر للمعادلة أن الإعلام، إذا خضع لمنطق السوق أو هيمنة ثقافة الاستهلاك، يمكنه أن يصبح أداة لطمس الفوارق الثقافية وفرض أنماط استهلاكية موحدة، فيتحول التنوع الحضاري إلى نسخ باهتة مكررة.
تشير الإحصاءات الحديثة إلى أن حوالي 75% من المحتوى الإعلامي العربي اليوم يركز على الترفيه الخفيف، مقابل أقل من 10% مخصص للثقافة والفنون والأدب، وهو فارق شاسع ينبه إلى اختلال الأولويات في تشكيل العقل الجمعي.
الدكتورة حنان يوسف: الإعلام والثقافة… تكامل لا انفصال

استاذ الإعلام العربي
ومؤسس الاتحاد العربي للإعلام والثقافة
في كتاباتها ومداخلاتها الإعلامية، لطالما أكدت الدكتورة حنان يوسف أن العلاقة بين الإعلام والثقافة ليست علاقة ترف، بل ضرورة وجودية لأي أمة تسعى للبقاء والتقدم.
ترى الدكتورة أن “إعلام بلا ثقافة هو إعلام فارغ، وثقافة بلا إعلام تظل حبيسة أبراجها العاجية”، وهو تشخيص دقيق يلخص معضلة المشهد العربي الراهن.
تحت مظلة الاتحاد العربي للإعلام والثقافة، سعت الدكتورة حنان إلى إنشاء فضاء مشترك حيث يلتقي الإعلاميون والمثقفون، ليس لتبادل الشكوى من الواقع، بل لتصميم مشاريع عملية تُعيد ربط الإعلام بالرسالة الثقافية التنويرية.
وترى أن العولمة لم تعد خطرًا خارجيًا فقط، بل أصبحت اختبارًا داخليًا لمدى قدرتنا على الحفاظ على خصوصيتنا الثقافية وسط تيار التغيير الكوني.
اليوم، ومع التحولات الرقمية الجارفة، صار الإعلام الرقمي — بودكاست، منصات تواصل اجتماعي، قنوات يوتيوب — هو المصدر الرئيسي للمعلومات لدى أكثر من 68% من الشباب العربي حسب تقرير مؤسسة “الباروميتر العربي” لعام 2024.
وهذا يعني أن مسؤولية الإعلام لم تعد قاصرة على النخبة، بل أصبحت تشمل ملايين الشباب الذين يتلقون ثقافتهم الأولى عبر مقاطع قصيرة وتغريدات.
وهنا تزداد الحاجة الماسة إلى إعلام واعٍ، يقدّم الثقافة بأسلوب جذاب، لا عبر خطاب وعظي تقليدي، بل عبر قصص إنسانية، وروايات معاصرة، وتجارب حية تربط التراث بالحاضر.
فكما تقول الدكتورة حنان يوسف:
“نحن لا نحارب العولمة بالتقوقع، بل بصناعة ثقافة معاصرة تعبر عنّا بجرأة ورشاقة.”
رغم الجهود المخلصة التي يبذلها البعض، إلا أن الإعلام الثقافي العربي لا يزال يواجه عدة تحديات:
• ضعف التمويل: إذ لا تتجاوز ميزانية دعم البرامج الثقافية في بعض القنوات أقل من 3% من إجمالي الميزانية الإعلامية.
• تراجع الاهتمام الجماهيري: حيث يُفضل الجمهور البرامج الترفيهية، مما يدفع المؤسسات لمجاراة الطلب التجاري.
• الافتقار للكفاءات: ندرة الإعلاميين القادرين على تقديم الثقافة بأسلوب مشوق وحيوي.
• الاختراق الثقافي: تغلغل قيم وأنماط سلوكية أجنبية عبر المنصات الرقمية بلا رقابة.
وهنا تؤكد الدكتورة حنان أن الحل لا يكمن في “التباكي على الهوية”، بل في تجديد خطابنا الثقافي ليكون قادرًا على المنافسة والتأثير في عصر الصورة والسرعة.
الثقافة والإعلام… شراكة للمستقبل
إذا كان الإعلام هو الأداة، والثقافة هي المضمون، فإن تلاقيهما ضرورة لصناعة مستقبل عربي يعتز بجذوره وينفتح على العالم بثقة.
لا تنمية بلا ثقافة.
ولا ثقافة حية بلا إعلام حي.
تدرك شخصيات رائدة مثل الدكتورة حنان يوسف أن معركة الهوية اليوم ليست مع الآخر، بل مع أنفسنا: مع تقاعسنا عن استثمار أدوات العصر لخدمة رسالتنا الحضارية.
فالحفاظ على الهوية لا يعني رفض العالم، بل يعني المشاركة فيه بقوة، ونحن نحمل أعلامنا، ونروي قصصنا، ونكتب حاضرنا بلغة أحلامنا.
في النهاية، سيظل الإعلام مرآة تعكس صورة مجتمعها: فإذا كانت الصورة قوية نابضة بالحياة، كان الإعلام داعمًا للهوية. وإذا كانت الصورة باهتة، انعكس ذلك على رسالته.
والرهان الحقيقي اليوم — كما ترى الدكتورة حنان يوسف — هو أن نصنع إعلامنا كما نصنع ثقافتنا: بإيمان، بوعي، وبإرادة لا تعرف الاستسلام.
ومن هنا جاء إطلاق الاتحاد العربي للإعلام والثقافة.
