غير مصنف
أخر الأخبار

رجب الجريتلي.. الرجل الذي أرادته النساء وأزعج الرجال

رجب الجريتلي.. الرجل الذي أرادته النساء وأزعج الرجال

كتب د. وائل بدوى

رجب الجريتلي لم يكن مجرد شخصية درامية، بل أصبح ظاهرة اجتماعية تكشف الكثير عن العلاقات بين الرجل والمرأة في مجتمعاتنا. لم يظهر في المسلسل كرجل تقليدي يفرض قوته على من حوله، ولم يكن نموذجًا للمثالية التي لا تُخطئ، لكنه كان رجلاً كما ينبغي أن يكون، واضحًا، قويًا، حنونًا، واثقًا، لم يحتج إلى الصراخ أو السيطرة ليثبت وجوده، بل كان حضوره وحده كافيًا ليمنح المرأة الأمان الذي تبحث عنه.

النساء أحببن في رجب الجريتلي أكثر من مجرد كرمه أو حنيته، أحببن رجولته المتزنة، غيرته المحسوبة، شجاعته في اتخاذ القرارات، احترامه للمرأة التي معه، احتوائه لها في أصعب لحظاتها، وموقفه الذي أثبت أنه قادر على الغفران عندما يكون الحب حقيقيًا. لم يكن رجلاً هشًا ينساق وراء ضعفه، ولم يكن متسلطًا يفرض كلمته دون نقاش، كان ببساطة رجلًا يفهم أن القوة الحقيقية لا تعني فرض السيطرة، بل تعني أن تكون الملاذ الآمن لمن تحب، أن تمنحها الثقة فيك دون أن تطلبها، وأن تجعلها تشعر أنها في أمان حتى وهي في أشد لحظات ضعفها.

رجب الجريتلي.. الرجل الذي أرادته النساء وأزعج الرجال
رجب الجريتلي.. الرجل الذي أرادته النساء وأزعج الرجال

هذه الصفات لم ترها النساء كثيرًا في الواقع، ولذلك تعلّقن برجب الجريتلي، ليس لأنه “وسيم” أو “ثري”، بل لأنه كان نموذجًا حيًا لما تبحث عنه أي امرأة في شريكها، رجل لا يخشى أن يُظهر حبه، ولا يخجل من أن يكون حنونًا، ولا يرى في قوة المرأة تهديدًا له، بل يراها امتدادًا لحضوره. لم يكن ضعيفًا، لكنه لم يكن قاسيًا، لم يكن مستبدًا، لكنه لم يكن مهزوزًا، كان رجلًا يعرف تمامًا كيف يحافظ على كرامته دون أن يسلب كرامة من معه، وهذه هي المعادلة التي لم يستطع كثير من الرجال فهمها.

لم يكن غريبًا أن يثير رجب الجريتلي هذا الجدل بين الرجال والنساء، فالرجال رأوا فيه تحديًا لصورة الرجل التقليدي الذي اعتاد أن يكون صاحب الكلمة الأخيرة دون أن يقدم أي شيء في المقابل، والنساء وجدن فيه نموذجًا لما كان ينبغي أن تكون عليه العلاقات، بعيدًا عن الصراعات اليومية التي حولت الحب إلى حرب نفسية طويلة. البعض اتهم النساء بالسذاجة، بأنهن تأثرن بشخصية خيالية، لكن الحقيقة أن تأثيره لم يكن نتيجة لكونه شخصية درامية، بل لأنه لامس شيئًا حقيقيًا افتقدته الكثير من النساء في واقعهن.

لفترة طويلة كان الرجال يرددون الجملة الشهيرة عندما يرون النجمات في التلفزيون: “شوفي الستات عاملة إزاي.. تعلمي منهم”، لكن اليوم أصبحت النساء ترد بنفس المنطق: “شوف رجب الجريتلي عامل إزاي.. واتعلم”. هذه الجملة لم تأتِ من فراغ، بل كانت رد فعل طبيعي على نموذج مختلف من الرجولة، نموذج جعل الكثيرين يعيدون التفكير في المفاهيم التي اعتقدوا أنها ثابتة. الرجل ليس مجرد مصدر للمال، وليس مجرد سلطة داخل البيت، بل هو الأمان، الاحتواء، الحضور الذي يُشعر المرأة أنها ليست وحدها في هذه الحياة، وهذه الحقيقة التي كشفها رجب الجريتلي كانت كفيلة بأن تثير كل هذا الجدل.

قبل أن يلوم الرجل زوجته لأنها تغيرت، لأنها لم تعد تهتم به كما كانت في البداية، عليه أن يسأل نفسه: هل منحها ما يجعلها تظل كما هي؟ هل كان الحاضر الذي لا تحتاج معه إلى أن تكون شخصًا آخر؟ هل فهم أن المرأة التي تُحب بصدق تعطي بلا حساب، لكن المرأة التي تُهمل تنسحب بصمت؟ الرجل الحقيقي ليس من يطالب المرأة أن تكون مثالية، بل من يجعلها تصل إلى تلك المرحلة بنفسها، لا إجبارًا، بل حبًا وثقة. رجب الجريتلي لم يكن مجرد شخصية خيالية، بل كان مرآة تعكس ما تحتاجه العلاقات لكي تزدهر، وفي النهاية، الرجل الذي يحتضن مشاعر المرأة هو الرجل الذي تظل تحبه حتى بعد أن ينتهي المسلسل.

الفرق بين الرجل الذي تعشقه المرأة والذي تتحمله شاسع، والرجل الذي يجعلها تختار البقاء يختلف تمامًا عن الرجل الذي تبقى معه فقط لأن الظروف أجبرتها. رجب الجريتلي لم يكن مجرد نموذج درامي، بل كان رسالة واضحة أن المرأة لا تحتاج إلى المال بقدر ما تحتاج إلى الأمان، ولا تبحث عن الجمال بقدر ما تبحث عن من يفهمها دون أن تضطر لشرح نفسها في كل مرة.

هناك رجال يظنون أن المرأة يمكن أن تُشترى بالمال والهدايا، لكنهم لا يدركون أن هناك أشياء لا تُشترى، كالأمان العاطفي، والاحترام، والاحتواء، والصدق في المشاعر. رجل مثل رجب الجريتلي لم يكن مميزًا لأنه كان غنيًا أو وسيمًا، بل لأنه امتلك الصفات التي تجعل المرأة تشعر أنها أنثى، أنوثة لا تحتاج إلى صراع لإثباتها، ولا إلى تضحيات لا تنتهي لكي تحافظ عليها.

في كثير من العلاقات، تجد المرأة نفسها في وضع صعب، بين رجل يرى أن الاحتواء ضعف، والتقدير ترف، والحب مجرد كلمة تُقال في المناسبات، وبين رغبتها في أن تكون في علاقة تجعلها تشعر بأنها مُقدّرة ومحبوبة. هنا يأتي السؤال الأهم: لماذا يجب أن يكون الأمر بهذا التعقيد؟ لماذا يُفترض أن يكون الحب معركة لإثبات الوجود؟ لماذا على المرأة أن تُبرر احتياجاتها العاطفية كأنها تطلب شيئًا خارقًا؟

الواقع أن الحب ليس بهذه الصعوبة، لكنه يصبح صعبًا عندما لا يكون هناك توازن بين الأخذ والعطاء، عندما يصبح أحد الطرفين مستهلكًا لمشاعر الآخر دون أن يعطيه شيئًا في المقابل. رجب الجريتلي لم يكن رجلًا يُحارب حبيبته، بل كان رجلًا يحميها حتى من نفسها، يعرف متى يكون صديقها، ومتى يكون زوجها، ومتى يكون ملجأها من تقلبات الحياة.

لهذا السبب كان تأثيره كبيرًا، ليس لأنه شخصية مثالية، بل لأنه شخصية واقعية في زمن اعتقد فيه الكثيرون أن الرجولة تعني أن يكون الرجل متحكمًا، لا مباليًا، بارد المشاعر. لكن الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع هي أن الرجل الذي تحبه المرأة حقًا ليس الرجل الذي يفرض سلطته عليها، بل الرجل الذي يجعلها تشعر أنها تستطيع أن تكون على طبيعتها معه، بلا خوف، بلا حسابات، بلا أقنعة.

ليس مطلوبًا من كل رجل أن يكون نسخة من رجب الجريتلي، لكن ربما عليه أن يسأل نفسه: هل أنا الرجل الذي تتمنى زوجتي أن تكون معه؟ هل أنا مصدر الأمان لها أم مصدر القلق؟ هل أنا من يجعلها تشعر بأنها تستحق الحب أم من يجعلها تشعر أنها مجرد خيار من بين عدة خيارات؟

في النهاية، المرأة التي تُحب رجلًا بصدق، لا تراه مجرد زوج أو شريك، بل تراه بيتها الحقيقي، الملاذ الذي لا تحتاج معه إلى الهروب من الحياة، بل المكان الذي يجعل الحياة نفسها أكثر احتمالًا. ورجب الجريتلي لم يكن مجرد رجل في مسلسل، بل كان مرآة تعكس ما تريده النساء وما يخشاه بعض الرجال.

تم نسخ الرابط بنجاح!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى