
١١ عامًا من التحول في التعليم العالي: قراءة تحليلية في أرقام وإنجازات وزارة التعليم العالي المصرية (2014–2025)
بقلم: ا. د. وائل بدوى
في ظل التحولات العالمية الكبرى في مجال التعليم، والتحديات المرتبطة بثورة المعلومات وسوق العمل المتغير، بات لزامًا على الدول التي تطمح إلى مستقبل مستدام أن تستثمر بذكاء في منظومتها التعليمية.
وفي مصر، لم يكن هذا الإدراك غائبًا عن القيادة السياسية، حيث شهد قطاع التعليم العالي والبحث العلمي منذ عام 2014 وحتى عام 2025، طفرة غير مسبوقة من حيث الكم والنوع، وفق ما ورد في البيان الصادر عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
🔹 أولًا: من ٥٠ إلى ١٢٨ جامعة خلال ١١ عامًا
في عام 2014، كان عدد الجامعات في مصر لا يتجاوز 50 جامعة. أما اليوم، فقد بلغ عددها 128 جامعة، موزعة على:
- 28 جامعة حكومية (مقارنة بـ 23 فقط عام 2014)
- 35 جامعة خاصة (بعد أن كانت 23 فقط)
- 32 جامعة أهلية (مقارنة بـ 4 فقط قبل 2014)
- 14 جامعة تكنولوجية (مسار جديد بالكامل)
- 9 أفرع لجامعات أجنبية
- بالإضافة إلى جامعات باتفاقيات دولية وإطارية، وجامعات ذات طبيعة خاصة.
هذه الأرقام لا تعكس فقط النمو العددي، بل تمثل توجهًا استراتيجيًا لاستيعاب الطلب المتزايد على التعليم العالي، وتوزيعه جغرافيًا بشكل عادل.
🔹 ثانيًا: الجامعات الحكومية… تطوير شامل وبُعد مجتمعي
الجامعات الحكومية، باعتبارها العمود الفقري للمنظومة التعليمية، حظيت بدعم مكثف تمثل في:
- زيادة عدد الكليات إلى 517 كلية
- تقديم برامج دراسية حديثة ومتنوعة ترتبط بسوق العمل
- تحديث البنية التحتية وتزويد المعامل والورش بأحدث الوسائط التكنولوجية
ويشير هذا الاهتمام إلى إيمان الدولة بأهمية التعليم المجاني كحق أصيل، وركيزة أساسية للعدالة الاجتماعية.
🔹 ثالثًا: الجامعات الأهلية… فلسفة جديدة في التعليم
قبل عام 2014، لم يكن في مصر سوى أربع جامعات أهلية. أما اليوم فقد أصبح العدد 32 جامعة أهلية، منها:
- 12 جامعة جديدة من المقرر أن تبدأ الدراسة بها في 2025/2026
- جامعات قومية كبرى مثل: “الملك سلمان، الجلالة، العلمين، المنصورة الجديدة”
- جامعات تابعة للجامعات الحكومية لتوفير مسارات مرنة وجودة أكاديمية مرتفعة
الجامعات الأهلية تمثل نقطة التقاء بين العدالة الاجتماعية وكفاءة التمويل، حيث تُقدم برامج بجودة عالمية دون تحميل الدولة أعباء مالية مباشرة.
🔹 رابعًا: التعليم التكنولوجي… مسار غير مسبوق
لأول مرة في تاريخ التعليم المصري، تم استحداث مسار الجامعات التكنولوجية ليبلغ اليوم:
- 14 جامعة تكنولوجية، موزعة على مستوى الجمهورية
- تقدم برامج تعليمية تطبيقية مرتبطة مباشرة بالصناعة
- تعتمد على أحدث وسائل التعليم العملي والمحاكاة
ويمثل هذا التحول نقلة نوعية لإعادة الاعتبار للتعليم الفني، وتوفير بدائل واقعية لتشغيل الشباب، وتقليل الفجوة بين الخريجين وسوق العمل.
🔹 خامسًا: الجامعات الأجنبية… التعليم العالمي على أرض مصر
قبل 2014، لم يكن هناك أي فرع لجامعة أجنبية في مصر.
اليوم، يوجد:
- 9 أفرع جامعات دولية من بريطانيا، كندا، روسيا، البرتغال وغيرها
- 19 طلبًا جديدًا قيد الفحص لإنشاء أفرع لجامعات أجنبية
- تقديم برامج دولية بشهادات مزدوجة، مما يفتح أبواب العالمية أمام الطالب المصري دون مغادرة وطنه
وهذا التطور يخدم هدفين رئيسيين:
- جذب الطلاب الوافدين
- تقليل هجرة الطلاب المصريين إلى الخارج
🔹 سادسًا: دعم منظومة البحث العلمي والابتكار
إلى جانب تطوير البنية الجامعية، تم تعزيز:
- 11 مركزًا بحثيًا تابعًا للوزارة
- دمج الجامعات في تحالفات إقليمية مع قطاعات الصناعة والزراعة
- تفعيل مبادرة “تحالف وتنمية” لربط التعليم بقضايا التنمية الإقليمية
- دعم النشر الدولي والتصنيفات الأكاديمية العالمية
وتتماشى هذه السياسات مع رؤية مصر 2030، التي تعتبر الابتكار والاقتصاد القائم على المعرفة من أهم محركات النمو.
🔹 سابعًا: البُعد الجغرافي والعدالة التعليمية
واحدة من أهم سمات هذا التطوير هو الانتشار الجغرافي للجامعات والمعاهد، بهدف:
- تقليل تمركز التعليم في القاهرة والإسكندرية
- تقديم تعليم متميز في المحافظات الحدودية (الوادي الجديد، سيناء، الأقصر)
- تعزيز التنمية الإقليمية المتوازنة
كما تسعى الدولة لإنشاء جامعة تكنولوجية في كل محافظة بحلول 2030، وهو هدف استراتيجي بالغ الأهمية.
🔹 ثامنًا: تحديات المرحلة القادمة
رغم هذه الإنجازات الكبيرة، لا تزال هناك بعض التحديات، منها:
- تأهيل الكوادر البشرية بما يتناسب مع توسع المنشآت
- تعزيز الاستدامة المالية للجامعات الأهلية والتكنولوجية
- ضبط الجودة الأكاديمية وضمان الاعتماد المحلي والدولي
- تكامل البرامج مع متطلبات الثورة الصناعية الرابعة
وهي تحديات قابلة للحل ضمن إطار شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع الأكاديمي.
خاتمة: التعليم العالي… ركيزة مصر في الجمهورية الجديدة
إن ما تحقق خلال الـ11 عامًا الماضية ليس مجرد توسع كمي، بل هو تحول نوعي جذري في فلسفة التعليم الجامعي في مصر.
لقد تم وضع أساس حقيقي لجمهورية معرفية جديدة، قادرة على المنافسة إقليميًا ودوليًا، وعلى تلبية طموحات الملايين من الطلاب والعائلات.
يبقى الرهان القادم على:
- الاستثمار في جودة التعليم
- تطوير البرامج والمحتوى
- تشجيع الابتكار والبحث العلمي
- دعم العدالة وتكافؤ الفرص التعليمية
وفي ظل هذا الزخم، تظل مصر في طريقها لأن تصبح مركزًا إقليميًا للتعليم الجامعي والبحث العلمي في الشرق الأوسط وأفريقيا، بفضل رؤية استراتيجية، وإرادة سياسية، واستثمار طويل الأجل في العقول قبل البُنى.