ليلة القدر في مدينة الذكاء الاصطناعي
ليلة القدر في مدينة الذكاء الاصطناعي
كتب د. وائل بدوى
مرت الأيام سريعًا، حتى حلّت العشر الأواخر من رمضان، وبدأ سكان مدينة نيوراما يستعدون لليالي القدر. في هذا الوقت، كانت المساجد تمتلئ بالمصلين، وكان الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا غير مسبوق في تنظيم هذه اللحظات الروحانية، بحيث أصبح كل شيء أكثر انسيابية دون أن يُشعر الناس بوجود التكنولوجيا كعامل تدخلي.
التلاوة الذكية ومساعد التدبر
جلس “علي” في غرفته بعد التراويح، وفتح تطبيق “القرآن الذكي” الذي لم يقتصر فقط على تلاوة الآيات، بل كان يوفر تفسيرات مباشرة بناءً على مستوى فهم المستخدم. كان النظام يعتمد على تحليل أنماط القراءة الخاصة بعلي، ويوجه إليه أسئلة تفاعلية لمساعدته على التدبر، مما جعله يشعر بأن القرآن أصبح أقرب إليه من أي وقت مضى.
كما استخدم والده جهاز “المصحف الهولوغرافي” الذي يعرض النصوص القرآنية على الهواء مباشرة، مع إمكانية التنقل بين الصفحات عبر الأوامر الصوتية. لم يكن بحاجة إلى إضاءة الغرفة أو حمل كتاب ثقيل، فقد أصبح كل شيء سلسًا وسريعًا، ومع ذلك، بقيت التجربة الروحانية كما هي.
الاعتكاف والتنظيم الذكي للمساجد
في المسجد، كان نظام “إدارة الاعتكاف الذكي” يساعد المصلين في تنظيم أماكنهم، بحيث يضمن كل شخص مساحته الخاصة دون ازدحام. وكان الذكاء الاصطناعي يراقب درجات الحرارة، ومستوى التهوية، ويوزع المراوح الذكية وفق الحاجة، مما جعل الاعتكاف أكثر راحة وهدوءًا.
حتى أن هناك روبوتات خدمية تتجول في أروقة المسجد، توفر مياه الشرب والتمر، وتساعد كبار السن على إيجاد أماكنهم. لم تكن هذه الروبوتات مزعجة أو ظاهرة للعيان، بل تم تصميمها لتكون غير متطفلة، بحيث يشعر المصلون بأنهم يعيشون التجربة الرمضانية بكامل روحانيتها دون إزعاج.
الدعاء في زمن الذكاء الاصطناعي
في ليلة القدر، كان “علي” يدعو الله أن يحقق أمنياته، لكنه تساءل: “هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفهم معنى الدعاء؟”
أجابه والده بابتسامة:
“الدعاء هو صلة بين العبد وربه، شيء لا يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يستوعبه كما نفعل نحن. لكنه يساعدنا في إيجاد اللحظة المناسبة، وتنظيم حياتنا بحيث نركز أكثر على العبادة والتأمل.”
زكاة الفطر والتوزيع العادل
مع اقتراب نهاية رمضان، استخدمت العائلات في نيوراما نظام “الزكاة الذكية”، الذي يحدد الأسر الأكثر احتياجًا بناءً على تحليل البيانات الاجتماعية، ويرسل المساعدات تلقائيًا في الوقت المناسب. كانت هذه التقنية تضمن وصول الزكاة بسرعة وكفاءة، دون الحاجة إلى تدخل بشري مباشر، مما جعل التكافل الاجتماعي أكثر فعالية وشفافية.
العيد بين الأصالة والتكنولوجيا
وأخيرًا، جاء العيد، ومعه فرحة لا يغيرها الذكاء الاصطناعي ولا التطور التكنولوجي. نعم، كان هناك مساعدون رقميون يذكرون العائلات بموعد صلاة العيد، ويقترحون أفضل الطرق لتجنب الازدحام في المساجد، بل وحتى يرسلون تهاني صوتية بأصوات أقارب سافروا بعيدًا. لكن الجوهر بقي كما هو: اجتماع العائلة، تبادل الضحكات، ورائحة الحلوى التي تملأ المكان.
وقبل أن يخرج علي لصلاة العيد، نظر إلى السماء وقال:
“مهما تغيرت الحياة، ستبقى روح رمضان والعيد كما هي، لأن ما يجعلها مميزة ليس التكنولوجيا، بل قلوبنا التي تعيشها بصدق.”
وهكذا، رغم أن مدينة نيوراما كانت تعمل بالكامل بالذكاء الاصطناعي، إلا أن رمضان فيها ظل كما هو: شهر الروحانيات، العطاء، والتواصل الإنساني.