تكنولوجيا

شم النسيم في عصر الذكاء الاصطناعي: حكاية يومٍ يجمع الفراعنة والروبوتات

شم النسيم في عصر الذكاء الاصطناعي: حكاية يومٍ يجمع الفراعنة والروبوتات

كتب ا. د. وائل بدوى

في صباح يوم ربيعي دافئ من عام 2025، استيقظ “آدم” – طالب في كلية الهندسة – على تغريدة من تطبيق الذكاء الاصطناعي الشخصي الخاص به، تقول:

“صباحك فرعوني! اليوم هو شم النسيم. هل ترغب في اقتراح جدول احتفال بناءً على عادات أجدادك القدماء؟”

ابتسم آدم وقال:

“أكيد… بس من غير فسيخ لو سمحت!”

بينما كانت المساعدات الذكية تعد له الفطور الصحي (بعد أن استبعدت الفسيخ لأسباب غذائية)، بدأ آدم في مراجعة ما قاله له التطبيق عن شم النسيم.

عرف أن شم النسيم، أو “عيد شمو”، هو أقدم احتفال عرفته البشرية، يحتفل به المصريون منذ ما يزيد عن 4700 سنة. وقد ارتبط بفكرة تجدد الحياة وعودة الشمس وانبعاث الروح في الطبيعة.

في بردية قديمة قرأها والده ذات مرة، وُصف العيد بأنه “يوم خروج الشعب إلى النيل والحقول، وتزيين البيض، وتناول الخس والبصل، تعبيرًا عن الحياة والصحة.”

كان يومًا مقدسًا في ديانة المصريين القدماء، حيث يقف الكهنة مع شروق الشمس عند معبد “أون” لتتبع لحظة الاعتدال الربيعي، في لحظة تلتقي فيها السماء بالأرض.

قرر آدم أن يحتفل هذا العام بشكل مختلف. استخدم تطبيق “Neseem AI” ليقترح له أماكن التجمعات العائلية، ويعرض عليه نسخة افتراضية من موكب احتفال شم النسيم في عصر الأسرة الخامسة.

حمل آدم نظارته الذكية، وتجول في الحديقة العامة حيث تظهر له عبر الواقع المعزز طقوس الاحتفال القديمة:

• الكهنة يحملون زهرة اللوتس.

• أطفال يرتدون أزياء فرعونية.

• موسيقى تُعزف من آلة الـ”سِسْتْروم”.

وفي ركن آخر، كان الذكاء الاصطناعي يقدم للأطفال قصة شم النسيم بأسلوب تفاعلي، باستخدام الحكاية والأسئلة، مما جعل الأطفال يتعلمون وهم يضحكون.

جلس آدم مع أصدقائه وبدأوا يتناقشون حول ما جعل الذكاء الاصطناعي يغير تجربتهم هذا العام.

من المزايا التي لاحظوها:

1. سهولة الوصول إلى المعلومات: عرفوا أصل العيد دون كتب أو محاضرات.

2. إحياء التراث بصريًا: الواقع المعزز جعلهم يشعرون أنهم وسط احتفالات مصر القديمة.

3. تخطيط آلي محكم: التطبيق وزّع الحشود في الحدائق لمنع التكدس.

4. التغذية الذكية: أنظمة AI اقترحت بدائل صحية للفسيخ، لتقليل حالات التسمم التي كانت تُسجّل كل عام.

لكن الحديث لم يكن كله ورديًا، فقد قال صديقه “مالك” الذي يدرس علوم الحاسوب:

“رغم كل شيء، الذكاء الاصطناعي مش دايمًا آمن أو عادل!”

وأشار إلى بعض العيوب التي ظهرت في الاحتفال:

• ظهور تطبيق مزيف يقلد “Neseem AI” ويطلب بيانات المستخدمين.

• خوارزمية التصنيف عرضت إعلانات فيها رسومات خاطئة تاريخيًا، مما أثار الجدل على السوشيال ميديا.

• الذكاء الاصطناعي فشل في فهم بعض العادات الشعبية الحديثة واعتبرها “تشوهًا” ثقافيًا.

مع غروب الشمس، عاد آدم إلى منزله، وتناول مع عائلته البيض الملون – بعضه حقيقي، وبعضه ثلاثي الأبعاد من تصميم أخته الصغيرة.

قالت جدته، وهي تضحك:

“زمان كنا بنحتفل على النيل، ودلوقتي أنتو بتحتفلوا على الإنترنت!”

فأجاب آدم:

“بس الروح لسه موجودة… والذكاء الاصطناعي ساعدنا نرجع نعيش الاحتفال بجماله، مش ننساه.”

في نهاية اليوم، دخل آدم غرفته، وأغلق النظارات الذكية، وأطفأ المساعد الافتراضي. أراد لحظة هدوء حقيقية. جلس يتأمل صور العيد التي التقطها، بعضها كان واقعيًا، وبعضها مزيفًا بذكاء اصطناعي، حتى كاد ينسى ما هو “حقيقي”.

همس لنفسه:

“هل سيفقد الجيل القادم الإحساس بالماء على ضفاف النيل؟ رائحة البصل؟ ضحكة الجدّة وهي تلوّن البيض؟”

ثم كتب في مدونته اليومية:

“في شم النسيم… تعلّمت أن الذكاء الاصطناعي قادر على أن يُحاكي المشهد، يروي القصة، ويشرح الأسطورة…

لكنه لن يعوّض دفء الأسرة، ولا نكهة الذكريات.”

في اليوم التالي، تلقّى آدم رسالة من معهد “التراث الرقمي المصري” تُخبره بأن فكرته حول “متحف افتراضي شم النسيم” قد تم قبولها للتمويل.

كانت فكرته تقوم على:

• أرشفة الطقوس الفرعونية بطريقة ثلاثية الأبعاد.

• إشراك الطلاب في إعادة بناء مشاهد احتفال شم النسيم باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI).

• عرض متحف رقمي مفتوح على الإنترنت يدمج بين التقاليد والخيال العلمي.

قال آدم وهو يبتسم:

“ربما كان هذا العيد البداية… ليس فقط لإحياء الماضي، بل لبناء علاقة جديدة بين الإنسان والتقنية.”

شم النسيم ليس مجرد مناسبة موسمية. إنه رمز للاستمرارية. من شروق الشمس عند معبد أون إلى إشعار إلكتروني في هاتف ذكي، يبقى جوهر العيد واحد:

الاحتفاء بالحياة، والتجدد، والروابط التي تربطنا ببعضنا البعض.

وفي زمن الذكاء الاصطناعي، يمكننا أن:

• نُعلّم أطفالنا التاريخ بطريقة مرئية.

• نحمي التراث من النسيان عبر الرقمنة.

• نخطط احتفالات آمنة وفعّالة.

• لكن علينا ألا ننسى أن الذكاء الصناعي أداة، والقلب الإنساني هو الجوهر.

رسالة أخيرة من آدم إلى المستقبل:

“إلى من سيقرأ هذه القصة بعد مئة عام…

قد تحتفلون بشم النسيم من القمر أو عبر ميتافيرس ثلاثي الأبعاد،

لكن تأكدوا أن ترسموا بيضة بيدكم، وتُهديها لشخص تحبه،

لأن الذكاء الاصطناعي لا يصنع حبًا… فقط يُحاكيه.”

شم النسيم في عصر الذكاء الاصطناعي لم يفقد أصالته، بل اكتسب أدوات جديدة جعلته أقرب للأجيال الحديثة.

لكن – كما في كل تقنية – المفتاح هو التوازن:

• الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي في التعليم والاحتفال.

• الحذر من مخاطره على الخصوصية والثقافة.

• استخدامه كجسر يربط بين الماضي العريق والمستقبل الذكي.

فربما كان الفراعنة سيبتسمون الآن… وهم يرون أن عيدهم لم يُنس، بل أصبح عالميًا، وعصريًا، ومُؤمَّنًا إلكترونيًا!

تم نسخ الرابط بنجاح!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى