“ليه التكليف بييجي ليلة الأجازة؟!” وفين الذكاء الاصطناعي
حكاية الظاهرة المتكررة اللي مالهاش تفسير غير إنها جزء من جينات الإدارة المصرية.

“ليه التكليف بييجي ليلة الأجازة؟!” وفين الذكاء الاصطناعي
حكاية الظاهرة المتكررة اللي مالهاش تفسير غير إنها جزء من جينات الإدارة المصرية.
كتب ا. د. وائل بدوى
في كل مؤسسة، وكل مكان عمل في مصر تقريبًا، فيه ظاهرة غريبة بتتكرر بشكل غريب كأنه قانون فيزيائي:
“التكليف ما ينزلش غير ليلة الأجازة… ويكون مطلوب بعد الأجازة مباشرة!”
يعني طول الأسبوع مشغولين؟ لا، حضرتك محدش طلب منك حاجة.
بس أول ما تجهّز شنطة السفر، أو تفرّش العيدية، أو تفكر تقعد مع العائلة…
تلاقي رسالة جاية الساعة 11:59 مساءً:
“من فضلكم… التكليف المرفق يتم إنجازه فورًا، الموعد النهائي أول يوم بعد الأجازة.”
وساعتها تبدأ الحيرة:
• أشتغل وأنا تعبان قبل العيد؟
• أسيبه وأقضي العيد بضمير قلق؟
• ولا أرد وأقول “كل سنة وانت طيب” وأطنّش التكليف؟!
الظاهرة مش فردية… دي حالة مجتمعية!
ليه التكليف مش بييجي وقت الدوام؟
ليه دايمًا بييجي وقت الراحة؟
هل في جهاز بيشتغل عند بعض المديرين اسمه “رادار الراحة”، أول ما الموظف يفكر يرتاح، يرن التنبيه:
“أوقف سعادته، ابعت له مهمة.”
الأسوأ… إن اللي بيبعت التكليف بيكون مشغول في الأجازة هو كمان!
بس هو عمل اللي عليه: بعت الإيميل، رمى الكرة في ملعبك، وهو راح يشوي اللحمة أو يزور العيلة.
الحل؟
لازم نعيد النظر في ثقافة العمل عندنا.
نحتاج نتعلم إن التخطيط المسبق مش رفاهية… ده احترام للوقت والناس.
وإن التكليف مش بس محتواه مهم، لكن توقيته أحيانًا بيكون أهم.
لو عايزين بيئة عمل منتجة فعلًا، يبقى لازم نعرف إن
الإبداع مش بييجي تحت الضغط… والتكليف مش لازم يوصلك في عز الفسيخ!
المدهش إن اللي بيبعت التكليف غالبًا بيكتب جملة شهيرة:
“أعتذر على الإرسال في هذا التوقيت، لكن الموضوع عاجل.”
بس العجيب… إن نفس “الموضوع العاجل”
كان ممكن يتبعت من يومين، أو حتى الأسبوع اللي فات.
لكن لا، لازم يوصل بعد المغرب يوم الوقفة،
لما تكون حضرتك خلّصت كحك العيد، وغسلت العربية، ولبست البيجامة بتاعة الجمعة!
السؤال المحوري: هو ده صدفة؟ ولا فيه حاجة نفسية ورا الموضوع؟
هل في عقلنا الجمعي الإداري، مرتبط “التكليف” بالشعور بالسيطرة؟
يعني لما المدير يبعت لك مهمة وأنت داخل على راحة، يحس إنه “لسه في قبضته”؟
ولا هي محاولة لا شعورية لتأكيد “أنا شغال حتى في الإجازة، فخلي الكل يشتغل”؟
ولو كانت فعلاً “حالة عامة”،
فده معناه إننا مش بس محتاجين تدريب على التخطيط الإداري،
إحنا محتاجين جلسات علاج جماعي من فوبيا الراحة!
طب نتصرف إزاي؟
الحل مش في التمرد، ولا في الصمت،
لكن في بناء ثقافة جديدة تحترم الوقت، والخصوصية، وجدول الإنسان.
نحتاج سياسة واضحة داخل كل مؤسسة تقول:
• لا مهام جديدة بعد الساعة ٥ مساءً.
• لا تكليفات في أيام العطلات إلا للضرورة القصوى وبالاتفاق المُسبق.
• احترام جدول الإجازات مش ضعف، دي قوة تنظيمية.
وخد عندك مثال من دول العالم:
في فرنسا، الموظف من حقه يرفض الرد على البريد الإلكتروني بعد مواعيد العمل.
وفي ألمانيا، الشركات الكبيرة عاملة أنظمة تمنع وصول الإيميلات لموظفيها في الإجازات.
مش علشان هم كسالى… لكن علشان فاهمين إن الإنسان محتاج يرتاح علشان يبدع.
لكن إحنا؟
نستقبل التكليف يوم العيد،
ونرد “تمام يا فندم” وإحنا بنحشي ورق عنب،
ونشتغل “سِرّي” في خرم الوقت…
بس الأجمل، إننا بنضحك على بعض ونقول:
“مش مهم… كله بيعدي!”
طيب فين الذكاء الاصطناعي من كل ده؟
دلوقتي وإحنا في عصر الذكاء الاصطناعي،
في برامج بتكتب، وفي روبوتات بتجاوب، وفي أدوات بتعمل جدولة للمواعيد والتنبيهات وتنظيم فرق العمل…
بس في مصر، لسه التكليف لازم يوصل يدوي… في نص الليل… بعد الفسيخ!
يعني ممكن نستخدم الذكاء الاصطناعي في الترجمة، في التحليل، في الأمن السيبراني،
بس نرفض نستخدمه في أبسط حاجة: التخطيط المسبق!
لو استخدمنا الـAI صح، هيكون عندنا:
• رسائل مجدولة بتُرسل في أوقات مناسبة.
• تنبيهات تلقائية لتنظيم المهام قبل الإجازات بوقت كافٍ.
• مساعد رقمي يقول للمدير: “يُفضَّل إرسال التكليف قبل العيد بـ48 ساعة حفاظًا على الحالة النفسية للموظفين.”
لكن الحقيقة إن الذكاء الاصطناعي مش هيحل المشكلة لوحده…
لأن المشكلة مش في الأدوات،
المشكلة في العقلية.
فنصيحة للذكاء الاصطناعي:
لو ناوي تشتغل في مصر،
استعد…
علشان فيه تكليف جايلك ليلة الإجازة.
في الختام…
مشكلتنا مش في الشغل،
مشكلتنا إننا نشتغل غلط، وفي توقيت غلط، وبطريقة تجهدنا بدل ما تلهمنا.
وإلى أن يتم إصلاح هذا النظام، خليك دايمًا مستعد…
لأنك مش بعيد عن رسالة منتصف الليل، ليلة العيد، موقّعة بـ:
“ضروري جدًا… وأرجو الرد فورًا.”
في النهاية…
اللي بييجي في دماغنا مش السؤال “ليه التكليف جه متأخر؟”
لكن السؤال الأهم:
“هو إحنا إمتى هنعرف قيمة الوقت… وقيمة الإنسان؟”