تكنولوجياتعليم

التسلط الرقمي: كيف يُستخدم الذكاء الاصطناعي في قهر الطلاب وابتزازهم نفسيًا وعصبيًا؟

التسلط الرقمي: كيف يُستخدم الذكاء الاصطناعي في قهر الطلاب وابتزازهم نفسيًا وعصبيًا؟

كتب د. وائل بدوى

في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، أصبح الذكاء الاصطناعي أداة قوية تؤثر على مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك التعليم. ومع ذلك، فإن هذه الثورة التكنولوجية لم تأتِ دون تحديات، ومن أبرزها الاستخدام السلبي للذكاء الاصطناعي في التسلط على الطلاب، وقهرهم نفسيًا وعصبيًا، بل وابتزازهم بطرق غير مسبوقة.

لقد كان التسلط بين الطلاب، سواء في المدارس أو الجامعات، ظاهرة قديمة تتجدد بأساليب مختلفة عبر الزمن، ولكن مع تطور التقنيات، أخذ هذا التسلط أشكالًا جديدة أكثر تعقيدًا. فالذكاء الاصطناعي اليوم لا يقتصر على كونه أداة تعليمية، بل أصبح يُستخدم في بعض الأحيان كسلاح نفسي ضد الطلاب، سواء من قبل زملائهم أو حتى بعض المؤسسات التعليمية غير المسؤولة التي تستغله لممارسة الضغوط عليهم.

إحدى أخطر صور التسلط المدعوم بالذكاء الاصطناعي تتمثل في استخدام الخوارزميات لمراقبة الطلاب وتحليل سلوكياتهم عبر منصات التعليم الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي. يمكن للمدارس أو حتى زملاء الطلاب استخدام هذه التقنيات لجمع معلومات حساسة عنهم، مما يسهل عملية الابتزاز النفسي، خاصة عندما يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل تعبيراتهم العاطفية أو توقع ردود أفعالهم. هذا النوع من الرقابة غير المرئية يزيد من الضغط العصبي على الطلاب، ويجعلهم يعيشون في حالة من التوتر الدائم، مما يؤثر سلبًا على أدائهم الأكاديمي وصحتهم النفسية.

لا يقتصر الأمر على الابتزاز الفردي، بل يمتد إلى ممارسات مؤسساتية قد تستغل الذكاء الاصطناعي لفرض سياسات تعليمية قهرية. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تستخدم بعض الأنظمة الذكاء الاصطناعي لتقييم أداء الطلاب بطرق غير شفافة أو متحيزة، مما يؤدي إلى تصنيفهم بشكل مجحف، دون مراعاة العوامل الإنسانية التي تؤثر على قدراتهم وأدائهم. كما أن بعض الجامعات قد تستعين بتقنيات الذكاء الاصطناعي في نظم المراقبة والامتحانات، مما يفرض ضغوطًا نفسية هائلة على الطلاب، تصل إلى حد التشكيك في نزاهتهم أو دفعهم إلى الشعور بالعجز أمام هذه الأنظمة غير القابلة للنقاش أو المراجعة.

وعلى مستوى آخر، أصبحت تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتطورة، مثل برامج التزييف العميق وتحليل البيانات الضخمة، وسيلة في أيدي المتنمرين الذين قد يستخدمونها لإنشاء مقاطع فيديو مزيفة، أو نشر معلومات كاذبة تهدف إلى تشويه سمعة الطلاب أو إحراجهم علنًا. هذه التقنيات تجعل الضحية في موقف ضعف دائم، حيث يكون من الصعب إثبات زيف المحتوى أو إيقاف انتشاره، مما يؤدي إلى أضرار نفسية جسيمة قد تصل إلى حد الانهيار العصبي أو الانسحاب من الحياة الاجتماعية والتعليمية.

وفي ظل هذه التحديات، يصبح من الضروري العمل على وضع قوانين وتشريعات تحمي الطلاب من الاستخدامات السلبية للذكاء الاصطناعي في التسلط والابتزاز. كما أن للمؤسسات التعليمية دورًا مهمًا في تعزيز الوعي الرقمي بين الطلاب، وتعليمهم كيفية حماية بياناتهم الشخصية، والتعامل مع الضغوط النفسية الناتجة عن التفاعل مع الأنظمة الذكية.

إن التسلط في الأوساط التعليمية لم يعد يقتصر على الأساليب التقليدية مثل التنمر اللفظي أو الجسدي، بل تطور ليأخذ أشكالًا أكثر تعقيدًا مع ظهور الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية الحديثة. اليوم، أصبح بالإمكان استخدام الذكاء الاصطناعي لأغراض غير أخلاقية، مثل قمع الطلاب نفسيًا وعصبيًا، وابتزازهم من خلال استغلال بياناتهم، وتحليل تصرفاتهم، والتلاعب بمشاعرهم بطريقة غير مسبوقة.

أحد أبرز جوانب هذا التسلط الرقمي هو استخدام الخوارزميات لجمع وتحليل بيانات الطلاب من خلال منصات التعليم الإلكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعي، وأنظمة المراقبة الذكية. بعض المؤسسات التعليمية، دون وعي منها، قد تشارك في هذه الممارسات عبر الاعتماد المفرط على أنظمة الذكاء الاصطناعي لتقييم أداء الطلاب، مما يؤدي إلى خلق بيئة تنافسية غير صحية، يشعر فيها الطالب وكأنه يخضع لمراقبة مستمرة لا تتيح له فرصة للخطأ أو التعلم من التجربة.

إضافة إلى ذلك، فإن بعض برامج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، مثل أنظمة التعرف على المشاعر، يمكن أن تُستخدم بطريقة سلبية لاستهداف الطلاب نفسيًا. على سبيل المثال، يمكن لخوارزميات تحليل تعبيرات الوجه ونبرة الصوت أن تكشف عن الحالة النفسية للطالب، مما قد يُستغل في ابتزازه أو الضغط عليه من قبل أقرانه أو حتى بعض المعلمين غير المسؤولين. الأسوأ من ذلك، أن هذه البيانات قد تُستخدم بطرق تتجاوز الإطار التعليمي، حيث يمكن استغلالها تجاريًا أو حتى سياسيًا دون موافقة الطلاب أو أولياء أمورهم.

من جهة أخرى، ظهرت حالات استخدام تقنيات التزييف العميق في الإساءة إلى الطلاب، من خلال إنشاء صور أو مقاطع فيديو مزيفة تهدف إلى الإضرار بسمعتهم. هذا النوع من التسلط الرقمي قد يدمر مستقبل الطلاب المهني والاجتماعي، حيث يصعب التمييز بين المحتوى الحقيقي والمحتوى المزيف، مما يجعل الضحية في موقف ضعيف للغاية، غير قادرة على الدفاع عن نفسها بسهولة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الطلاب قد يتعرضون للابتزاز الإلكتروني باستخدام الذكاء الاصطناعي عبر أنظمة الدردشة الذكية التي يتم برمجتها لاستخراج معلومات حساسة منهم بطرق خفية. قد يجد الطالب نفسه ضحية لعملية احتيال رقمية معقدة، حيث يتم خداعه للكشف عن معلومات شخصية يمكن استخدامها ضده لاحقًا. هذه الظاهرة تعكس خطورة غياب القوانين التي تحمي الطلاب من استغلال البيانات الذكية بطرق غير أخلاقية.

لحماية الطلاب من هذه الممارسات، من الضروري وضع ضوابط قانونية صارمة تحدّ من استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات التقييم والمراقبة، مع ضمان وجود شفافية في كيفية جمع البيانات وتحليلها. كما يجب على المؤسسات التعليمية أن تعزز الوعي الرقمي بين الطلاب، وتدربهم على كيفية حماية أنفسهم من الهجمات النفسية والابتزاز الإلكتروني. من المهم أيضًا تطوير منصات آمنة تحترم خصوصية الطلاب، وتمنع إساءة استخدام بياناتهم من قبل أطراف غير مسؤولة.

الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة قوية في تحسين التعليم وتطوير مهارات الطلاب، لكنه في الوقت نفسه قد يتحول إلى وسيلة خطرة إذا لم يتم ضبط استخدامه وفقًا لمعايير أخلاقية وإنسانية. إن ضمان بيئة تعليمية رقمية آمنة يتطلب تضافر الجهود بين الحكومات، والمؤسسات التعليمية، وأولياء الأمور، لحماية الجيل القادم من مخاطر التكنولوجيا غير المنظمة. مستقبل الطلاب لا يجب أن يُرهن بأيدي خوارزميات لا تعترف بالمشاعر الإنسانية، بل يجب أن يكون قائمًا على الاحترام، والشفافية، والمسؤولية.

لا يمكن إنكار الفوائد العظيمة للذكاء الاصطناعي في مجال التعليم، ولكن هذه الفوائد يجب ألا تأتي على حساب الصحة النفسية والعصبية للطلاب. فلا بد من التوازن بين الابتكار والتأطير الأخلاقي لهذه التقنيات، لضمان استخدامها بطريقة تدعم التعلم الإيجابي، بدلاً من أن تصبح أداة للقهر والتسلط في عصر رقمي لا يرحم.

تم نسخ الرابط بنجاح!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى