تكنولوجيا

“تجوّل حتى أراك”: د. جمال الشاعر يفتح النار على صناعة الوعي الزائف في زمن السوشيال ميديا

“تجوّل حتى أراك”: د. جمال الشاعر يفتح النار على صناعة الوعي الزائف في زمن السوشيال ميديا

كتب ا. د. وائل بدوى

في كتابه المثير للجدل “تجوجل حتى أراك”، يطلق الإعلامي والمفكر د. جمال الشاعر صرخة مدوية في وجه أكبر ماكينة لتوجيه العقول عرفها التاريخ الحديث: منصات التواصل الاجتماعي. بأسلوبه الساخر الذكي، وبعين الصحفي الذي اعتاد مساءلة السلطة، يغوص الشاعر في عمق الأزمة التي يعيشها الوعي الإنساني في عصر تحول فيه الهاتف الذكي إلى “عقل خارجي” يدير حياتنا دون أن ندرك حجم الاختراق.

“تجوّل حتى أراك”: د. جمال الشاعر يفتح النار على صناعة الوعي الزائف في زمن السوشيال ميديا
“تجوّل حتى أراك”: د. جمال الشاعر يفتح النار على صناعة الوعي الزائف في زمن السوشيال ميديا

يفتتح الشاعر كتابه بإحصائيات صادمة:  أكثر من 10 مليارات ساعة يوميًا يقضيها سكان الأرض على السوشيال ميديا، وأكثر من 5 مليارات إنسان يمتلكون حسابات نشطة، و”الشخص العادي” يدير حسابات على 9 منصات مختلفة على الأقل. لكن المفارقة الكبرى أن هؤلاء لا يديرون شيئًا فعليًا، بل هم أنفسهم خاضعون لإدارة خفية تُمارَس عبر الخوارزميات.

في نقد مباشر لمقولات شركات التكنولوجيا الكبرى (فيسبوك، جوجل، يوتيوب، أمازون، آبل، مايكروسوفت، تينسنت، علي بابا…)، يفضح د. جمال ما يسميه “خرافة الحياد الخوارزمي”، مشيرًا إلى أن ما يُسوّق على أنه مجرد تنظيم آلي للمحتوى، هو في الواقع توجيه مُمنهج، يتعمد رفع منشورات الغضب والكراهية والتضليل لتحقيق أرباح من التفاعل، على حساب الحقيقة والمصداقية والعدالة.

“تجوّل حتى أراك”: د. جمال الشاعر يفتح النار على صناعة الوعي الزائف في زمن السوشيال ميديا
“تجوّل حتى أراك”: د. جمال الشاعر يفتح النار على صناعة الوعي الزائف في زمن السوشيال ميديا

ويركز الكاتب على التهديد الأكبر القادم من جيش المؤثرين، الذين لا يخضعون لأي محاسبة مهنية أو معايير أخلاقية، بل ينشرون المحتوى وفق مصالحهم الشخصية، سواء كانت تجارية أو سياسية أو أيديولوجية. ويُحذر بشكل خاص من تواطؤ المنصات مع الروايات الإسرائيلية، حيث تُمنع المنشورات التي تُدين الاحتلال أو توثق الانتهاكات، تحت ذرائع واهية تتعلق “بمخالفة معايير المجتمع”، في حين تُترك روايات الاحتلال لتتوسع دون مساءلة.

ثم يحلّل الكتاب كيف أن أدوات “التعلّم الخاضع للإشراف” Supervised Learning، التي تُدرّب بها المنصات خوارزمياتها، تتضمن أحكامًا مسبقة لما يُعد مقبولًا أو غير مقبول. وهذه الأحكام، كما يوضح، تُبنى غالبًا على توجهات الممولين والجهات النافذة، لا على قيم العدالة أو الموضوعية، ما يؤدي إلى إقصاء الصوت العربي والحقوقي من الفضاء الرقمي.

و ينتقد د. جمال الشاعر ضعف الاستجابة العربية لهذه الكارثة المعرفية، متسائلًا:

“لماذا لا نبدأ بتعليم أطفالنا منذ الصغر أدوات التفكير النقدي، ومهارات التحقق، ومقاومة التضليل؟”

وينقل عن دراسة أجرتها اليونسكو والأمم المتحدة بمشاركة 500 مؤثر من 45 دولة، أن 63% من صناع المحتوى يفتقرون لأبسط قواعد التحقق. وهو ما دفع المنظمتين لتنظيم دورات شارك فيها أكثر من 9000 صانع محتوى وصحفي لتعليم بناء الثقة الرقمية وتشكيل الرأي العام الأخلاقي.

يقترح الكاتب اختبارًا بسيطًا يمكن لكل شخص أن يقوم به قبل تصديق أي معلومة أو منشور:

1. من المستفيد من الخبر؟

2. هل نغمة المحتوى تحريضية أم متزنة؟

3. ما هو مصدر الخبر؟

ثم يختتم بتحذير لاذع:

“لا شيء مجاني. لا تصفح دون مقابل. إنهم يأخذون من وقتك وعقلك ومحفظتك. فالمثل يقول: لا عشاء مجانياً… ومن يعزمك، وراءه مصلحة، ففتش عن رأسك ومحفظتك جيدًا!”

كتاب “تجوجل حتى أراك” ليس مجرد دراسة نقدية، بل صفارة إنذار ثقافية لكل من لا يزال يعتقد أن السوشيال ميديا “مجرد وسيلة ترفيه”. إنه عمل موجه للجيل الرقمي الجديد، لصناع القرار، ولمن يريد أن يعرف كيف تُبنى الحقيقة اليوم، وكيف يمكن إسقاطها بمجرد ضغطة خوارزمية.

في زمن المعلومة السريعة، لا تملك ترف تجاهل كتاب مثل هذا.

تم نسخ الرابط بنجاح!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى