ما أحوج أمة الإسلام أن تعي أسرار الحج وتتامل فيه وتتأسى بها أجتماع المسلمين في الحج مشهد تتجلى فيه عظمة الإسلام
كتب/ محمد فكري
——————————-
إن الحج رحلة إيمانية فريدة، يتوافد فيها المسلمون من كل أنحاء العالم نحو بيت الله الحرام، ليؤدوا واجبا إيمانيا جليلا، تلبية لنداء الحق سبحانه وتعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} وفي هذه الرحلة المباركة يمُن الله سبحانه وتعالى على عباده بمغفرة الذنوب ومسح الخطايا، فيعودوا من هذه الرحلة المباركة وقد طهرت قلوبهم وصفت صحائفهم وغفرت ذنوبهم، بشرط أن يلتزم الحجيج بآداب الحج وأن يحافظوا على السنتهم وأفعالهم، وأن يرجعوا من الحج بقلوب نقية ونفوس صافية مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ وَلَمْ يَجْهَلْ رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ”. أن رحلة الحج تحمل في طياتها أسرار وحكما جليلة، قد لا تدرك كلها دفعة واحدة، وإنما تتجلى تدريجيا للنفوس الصافية الصادقة، فحينما يقف المسلم بعرفات، حاملا بين ضلوعه خشوعا وتضرعا، ويردد مع جموع المسلمين نداء “لبيك اللهم ما لبيك” فيستشعر عظمة الموقف، ويتخيل موقف الحشر الأعظم، حين يقف الخلائق بين يدي الحق سبحانه وتعالى، يرجون رحمته وغفرانه، كما أن اجتماع كل هذه الجموع على اختلاف أجناسهم وألوانهم متحدين على هدف واحد وهو التضرع إلى الله سبحانه وتعالى، وتلبية ندائه الكريم، يجسد هذا الموقف روح الإسلام ويؤكد على أن المسلمين أخوة لا فرق بينهم إلا بالتقوي والإيمان، هذا إضافة إلى أن شعائر الحج المقدسة تعطينا درسا عظيما في المساوة بين البشر، ففي رحاب هذه الرحلة المباركة تتلاشى الفوارق والطبقات وتختفي الرتب والمناصب ولا يظهر من الجميع إلا رتبة واحدة وهي رتبة العبودية لله سبحانه وتعالى، كما يعلمنا الصبر والانضباط والتواضع والتسامح، وروح التكافل والتعاون بين المسلمين.
أن النبي ﷺ قرر مبدأ المساواة في خطبة حجة الوداع؛ فنادى في الناس وهو على ناقته القصواء: (أيها الناس… ما خص بالنداء فئة دون فئة، ولا لوناً دون لون، ولا عرقاً دون عرق؛ إنما خاطب الناس جميعاً قائلاً: (أيها الناس إن ان الهكم واحد، وإن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا كلكم لآدم وآدم من تراب
هذا هو مبدأ المساواة وتحقق هذا المبدأ في شتى المجالات وطبقه النبي ﷺ اجتماعياً وسياسياً وقضائياً، قال ﷺ: (والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها). وقال ﷺ: (الناس سواسية، لا فضل لعربي على عجمي إن أكرمكم عند الله أتقاكم). تحقيقاً لمبدأ الأصل الإنساني الذي منحه الله تبارك وتعالى لسائر البشر: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير﴾.
ونوه قائلا: ما أحوج أمة الإسلام أن تعي هذا السر وأن تتأمل هذه الحكمة، فمتى تحقق مبدأ المساواة بينها أفراداً وجماعات، بين سائر البشر الذين يستظلون بظل شريعة الإسلام عاش الناس آمنين مطمئنين وتحقق لهم الحب والوئام والأخوة والسلام، فمبدأ المساواة الذي أعطته فريضة الحج كسر من أسرارها يقتضي أن تمنح ما منحه الله لمن منحهم الله وأعطاهم المساواة ، أن تمنح الحقوق والواجبات.
أ.د/ عبد الفتاح عبد الغني العواري العميد الأسبق لكلية أصول الدين بالقاهرة
عضو مجمع البحوث الإسلامية