11719 سنة حضارة… بداية العام المصري الفلكي وعبقرية التقويم الذي سبق الزمن

11719 سنة حضارة… بداية العام المصري الفلكي وعبقرية التقويم الذي سبق الزمن
كتب ا د وائل بدوى
مع أول خيوط الشمس الذهبية التي تتسلل على وجه أبي الهول في هضبة الجيزة، تتجدد دورة الزمان، وتبدأ مصر عامًا جديدًا… 11719 سنة من التوقيت المصري الفلكي، في لحظة كونية تتزامن مع احتراق نجم الشعرى (سِبدِت / سوبدت) في الأفق الشرقي، أمام عيون الأجداد التي لم تغفل يومًا عن السماء.
اليوم، لا نحتفل فقط ببداية سنة جديدة، بل نستحضر تاريخًا ضاربًا في جذور الحضارة، تقويمًا لم يُبْنَ على الغزو أو السياسة أو الدين، بل على علم وفلك ونظام كوني. كل سنة ومصر وأهلها بخير – ويت رِنبت نِفِرت 𓂀
🌞 من شروق “سِبدِت” تبدأ القصة
في مثل هذه الأيام، ومع شروق نجم سوبدت متزامنًا مع الشمس، تبدأ السنة المصرية الفلكية، تقويم يُحسب من أول مرة رصد فيها المصريون القدماء هذا النجم السماوي المتلألئ، في لحظة أصبحت مرجعًا زمنيًا يُعدّ من سنة 4236 قبل الميلاد.
وبهذا يكون اليوم هو أول يوم من السنة 11719 في التقويم المصري الفلكي (Sothic Calendar)، وهو ليس تقويمًا موازيًا أو رسميًا، بل هو عدٌّ علمي نظري يحسب عدد السنوات الشمسية التي مرّت وفق النظام المصري القديم (365 يومًا في السنة دون كبيسة).
📆 الفرق بين 11719 و6267: الزمن بين العلم والإدارة
رغم أن 11719 هو الرقم الأقدم والأكثر دقة من حيث الرصد الفلكي، فإن التقويم المصري الرسمي المستخدم حاليًا هو السنة 6267، وهو ما يُعرف شعبيًا بالتقويم القبطي أو الزراعي.
لكن الفارق بين التقويمين ليس فقط في الأرقام، بل في المرجعية:
التقويم |
مرجعيته |
نوعه |
بداية العد |
11719 |
فلكية (رصد سِبدِت) |
علمي رمزي |
4236 ق.م |
6267 |
سياسية/دينية (عهد دقلديانوس) |
إداري/رمزي |
284 م |
التقويم القبطي لا يعتمد على رصد النجوم، بل على نقطة زمنية ارتبطت باضطهاد المسيحيين في عهد الإمبراطور الروماني دقلديانوس، ولهذا يُعرف بـ**“تقويم الشهداء”**.
🌟 لماذا هذا التقويم مميز عالميًا؟
التقويم المصري القديم، القائم على الدورة الشمسية دون كبيسة، كان من أدق ما عرفته البشرية في زمنه. ورغم غياب الكبيسة، فإن المصريين رصدوا انزياح توقيت الشروق النجمي للشعرى، وابتكروا ما عُرف لاحقًا بـ**“التقويم السوثي”**، وهو نظام لتصحيح الانزياح الزمني عبر فترات زمنية طويلة (كل 1460 سنة تعود الدورة لنقطة البدء).
وقد وصف علماء الفلك والمؤرخون الغربيون هذا التقويم بأنه “أول تقويم شمسي علمي دقيق في التاريخ”، واعتُمدت منه حسابات كرونولوجية في الأبحاث الحديثة لتأريخ العصور المصرية القديمة.
🕰️ بداية العام: شمس أم شعرى؟
- رأس السنة القبطية: يوم 11 سبتمبر (أو 12 في السنوات الكبيسة) – تاريخ ثابت إداريًا.
- رأس السنة الفلكية المصرية: في أواخر يوليو تقريبًا، متغيّر بحسب رؤية نجم سوبدت فعليًا في الأفق (ما بين 19 إلى 22 يوليو)، وهو ما كان يعلن قدوم الفيضان.
🧠 عبقرية الزمن عند المصريين
من خلال تتبع النجوم وربطها بدورات النيل والزراعة، أسس المصري القديم فلسفة زمنية تُمجّد الاستمرارية والتناغم مع الكون. لم تكن الزمن عنده مجرد أيامٍ تمضي، بل دورة حياة كاملة، تربط الإنسان بالأرض، والنيل بالنجوم، والحصاد بالشمس.
✨ الختام: نجم يتوهّج… وتاريخ لا يغيب
في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بتقويمات جريجورية وميلادية وهجرية، تقف مصر بثبات أمام الزمن، تستقبل عامًا جديدًا من عمر حضارتها، لا يُقاس بالأرقام فحسب، بل بما قدّمته للعالم من علم وفكر وفلك.
كل سنة وأنتم بخير، ويت رِنبت نِفرت 𓂀
وكل لحظة يمر فيها “سِبدِت” من الأفق… هي تذكرة بأن المصريين كتبوا الزمن قبل أن تكتبه الأمم.