رحلة البحث عن التوازن : مستندًا إلى مضمون كتاب «جولة بين القلب والعقل» للدكتور شريف صلاح الدين

رحلة البحث عن التوازن : مستندًا إلى مضمون كتاب «جولة بين القلب والعقل» للدكتور شريف صلاح الدين
كتب ا. د. وائل بدوى
في أعماق النفس الإنسانية يدور صراع أزلي بين قوتين عظيمتين: العقل بما يحمله من منطقٍ وحساباتٍ وأدوات تحليل، والقلب بما يحتويه من مشاعرٍ وعواطفٍ ودفقات وجدانية لا تهدأ. وقد تناول الدكتور شريف صلاح الدين في كتابه «جولة بين القلب والعقل» هذه العلاقة الجدلية، ليكشف للقارئ كيف يمكن أن يتحول هذا الصراع إلى رحلة وعي، وإلى مصدر للإلهام والنضج، بدلًا من أن يكون معضلة تعيق الإنسان في مساره.
بين حكمة العقل ودفء القلب
يرى الكاتب أن الحبّ — باعتباره أرقى المشاعر الإنسانية — هو الميدان الأوضح الذي تتجلى فيه ثنائية العقل والقلب. فحين يندفع القلب بعاطفته قد يتغافل عن الحسابات الواقعية، وحين يتشدد العقل في منطقه قد يُطفئ وهج المشاعر ويُحوّل العلاقة إلى معادلة جافة. وهنا يبرز السؤال الجوهري: هل يمكن للإنسان أن يوفق بين العقل الذي يزن، والقلب الذي يهوى؟
يجيب الكتاب بأن التوازن هو السر، وأن الانحياز لأحد الطرفين على حساب الآخر يُنتج خللًا في حياة الفرد وعلاقاته.
أسرار الحياة الطيبة
لا يكتفي المؤلف بوصف المشكلة، بل يقدم ما أسماه بـ الأسرار العشرة للحياة الطيبة. هذه الأسرار ليست وصفات جاهزة بقدر ما هي دعوة إلى أن ينظر الإنسان في داخله، فيراجع علاقته بنفسه وبالآخرين، ويجعل من العقل مرشدًا للحكمة، ومن القلب منبعًا للرحمة. فالحياة — كما يصورها الكاتب — لا تُعاش بالعقل وحده، ولا بالقلب وحده، بل بقدرة الإنسان على جمع النقيضين في بوتقة واحدة.
تأملات فلسفية وحِكم إنسانية
يتخلل الكتاب اقتباسات وأبيات شعرية عميقة، تُضفي على النص روحًا وجدانية وتجعل القارئ في حالة تأمل. فهو يُذكّر بأن الشيطان لا يزرع الفتنة في المجتمع فقط، بل قد يبدأ بزرعها بين العقل والقلب داخل الفرد ذاته، ليُفقده التوازن. كما ينبه إلى أن “ليس كل ما يهواه القلب صواب، ولا كل ما يقرره العقل حكيم”، في محاولة لترسيخ قناعة بأن الحقيقة دائمًا مركبة ومعقّدة، وليست أحادية الجانب.
الرسالة الأعمق
تكمن قيمة الكتاب في أنه لا يخاطب القارئ كحكيمٍ ناصح من علٍ، بل كرفيقٍ في الطريق، يشاركه الحيرة، ويعترف أمامه بأن الإنسان يظل في رحلة دائمة للبحث عن معنى. ومن خلال هذا الطرح، يصبح الكتاب أشبه بـ مرآة للنفس، تعكس لحظات الضعف والقوة، الحب والخوف، الاندفاع والتروي.
نحو إنسان متوازن
يخلص المؤلف إلى أن التوازن بين العقل والقلب ليس رفاهية، بل هو ضرورة حياتية. فالعقل من دون قلب يصنع إنسانًا باردًا يفتقد للدفء الإنساني، والقلب من دون عقل يقود إلى اندفاع قد يجر صاحبه إلى الندم. أما الجمع بينهما فيُنتج شخصية متزنة، قادرة على بناء علاقات صحية، واتخاذ قرارات رشيدة، والعيش بسلام داخلي.
خاتمة
«جولة بين القلب والعقل» ليس مجرد كتاب عن الحب أو عن الفلسفة الإنسانية، بل هو دعوة للتأمل في الذات، ولإعادة النظر في الطريقة التي نعيش بها. إنه رحلة فكرية وجدانية في آن، تساعد القارئ على أن يُصغي لصوت قلبه دون أن يعطل منطقه، وأن يحتكم لعقله دون أن يُقصي مشاعره. وبذلك يحقق المعادلة الأصعب: أن يعيش حياة طيبة، يوازن فيها بين العقل الذي يقود، والقلب الذي يُضيء.