الجلسه الختاميه تشهد قانون المسؤولية الطبية وسلامة المريض: ملامح تشريعية وتحديات مهنية
كتب ا د وائل بدوى
في سياق متسارع من التحولات التي يشهدها القطاع الصحي، بات من الضروري مراجعة الأطر القانونية المنظمة لممارسة المهنة الطبية، لا سيما ما يتصل بمفاهيم المسؤولية الطبية وسلامة المريض. وفي هذا الإطار، خُصِّصت الجلسة الختامية لأعمال مؤتمر الكرسي العالمي لليونسكو في أخلاقيات البيولوجيا، لطرح ومناقشة أبعاد قانون المسؤولية الطبية الذي أُثير حوله العديد من التساؤلات والاهتمامات، سواء من قبل الجهات التشريعية أو من قبل مجتمع الممارسين الصحيين.
شهدت الجلسة مشاركة نخبة مرموقة من الشخصيات القانونية والطبية، كان في مقدمتهم الدكتور جميل حليم حبيب، نائب مجلس الشيوخ وعضو لجنة حقوق الإنسان والتضامن الاجتماعي، حيث استعرض أبرز الفصول والمواد التي يتضمنها مشروع القانون، مشيرًا إلى أهمية إرساء منظومة تشريعية توازن بين حماية المريض وضمان حقوق الأطباء.
من جانبها، تناولت الأستاذة الدكتورة شيرين غالب، أستاذ الطب الشرعي والسموم الإكلينيكية بجامعة القاهرة، ورئيسة نقابة الأطباء بالقاهرة، السياق الراهن الذي يستدعي وجود قانون مسؤولية طبية واضح المعالم، مؤكدةً أن الوضع القانوني الحالي يحمل العديد من التحديات للطبيب، لا سيما في ظل غياب التمييز الدقيق بين أشكال الأخطاء الطبية.
وفي ذات السياق، قدم الأستاذ الدكتور أسامة عبد الحي، نقيب أطباء مصر والأمين العام لاتحاد الأطباء العرب، عرضًا تفصيليًا لأهم المواد التي أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط الطبية، والتي يمكن تلخيصها في المحاور التالية:
أولًا: التمييز بين أنواع الأخطاء الطبية
من أبرز ما جاء في القانون هو التفريق بين الخطأ الطبي المعتاد، والخطأ الجسيم، إضافة إلى التعاطي مع المضاعفات الطبية باعتبارها جزءًا من احتمالات الممارسة الطبية، لا تستوجب العقوبة بحد ذاتها. وقد أقر القانون أن الخطأ الطبي المعتاد، لا يعاقب عليه بالحبس أو الحبس الاحتياطي، وإنما تُفرض غرامة مالية تتراوح بين 10 آلاف و100 ألف جنيه، حتى لو أسفر الخطأ عن وفاة المريض.
ثانيًا: دور اللجنة العليا للمسؤولية الطبية
أحدث القانون تحولًا في آلية تحديد المسؤولية الطبية، حيث منح اللجنة العليا للمسؤولية الطبية (أو اللجان الفرعية التابعة لها) سلطة تقرير وقوع الخطأ الطبي، بشرط أن تكون اللجنة من ذات التخصص الطبي للطبيب محل الشكوى. وهذا التعديل يعكس تحوُّلًا جوهريًا في الاعتماد على الرأي العلمي المتخصص بدلاً من الاعتماد السابق على مصلحة الطب الشرعي وحدها.
ثالثًا: آلية التصالح والتسوية الودية
أحد أبرز المستجدات التي أتى بها القانون الجديد هو منح الفرصة لإجراء تسوية ودية بين الطبيب والمريض أو ذويه، وذلك من خلال لجنة مختصة تضم في عضويتها أحد القضاة. وتنص المادة ذات الصلة على وقف جميع الإجراءات القضائية فور إتمام التسوية، حتى وإن كان ذلك قبل صدور الحكم القضائي بيوم واحد.
رابعًا: آلية التعويض وصندوق التأمين الطبي
ضمن القانون إنشاء صندوق للتأمين الطبي يُمول من اشتراكات سنوية يدفعها الأطباء، يتولى دفع التعويضات في حالات الخطأ الطبي. ويُتيح القانون للطبيب أيضًا شراء تأمين مهني خاص إضافي، ما يعزز من ثقافة الوقاية القانونية وحماية الأطباء ماليًا.
خامسًا: الحماية القانونية لمقدمي الخدمة الصحية
انطلاقًا من حماية الكوادر الطبية، نص القانون الجديد على تجريم الشكاوى الكيدية، حيث تُفرض على من يتقدم بها عقوبة السجن لمدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر أو غرامة لا تتجاوز 30 ألف جنيه، أو كلاهما. كما يحمي القانون الأطباء من الإهانة أو الاعتداء أثناء تأدية عملهم، فالإهانة بالإشارة أو القول تُعاقب بالحبس لمدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تزيد على عشرة آلاف جنيه. أما الاعتداء البدني فيُعاقب بالحبس حتى عام وغرامة تصل إلى خمسين ألف جنيه، وتُضاعف العقوبة إذا استُخدم سلاح أو أداة حادة.
التوصيات الختامية للمؤتمر
اختتمت الجلسة الختامية بعدد من التوصيات العلمية والمهنية التي تمثل خريطة طريق للنهوض بالمنظومة الصحية من منظور قانوني وأخلاقي:
1. تضمين المناهج الجامعية الجوانب القانونية والأخلاقية لممارسة المهنة، وضمان التدريب المستمر عليها لكافة الكوادر الصحية.
2. تعزيز الوعي بحماية البيانات الطبية، خاصة عند استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي أو إجراء البحوث العلمية المشتركة بين دول لا تجمعها اتفاقيات لحماية بيانات الأفراد.
3. الاهتمام بالمعضلات الأخلاقية المرتبطة بإدارة الأزمات والكوارث، بما يضمن العدالة في توزيع الموارد والخدمات الصحية، والحفاظ على كرامة وحقوق الأفراد في الأوقات الحرجة.
إن قانون المسؤولية الطبية الجديد يمثل خطوة جريئة ومُلحّة نحو تنظيم العلاقة بين الطبيب والمريض ضمن إطار قانوني يراعي تعقيدات الممارسة الطبية الواقعية. فبينما يحمي القانون المريض من الإهمال أو الخطأ الجسيم، فإنه في الوقت ذاته يوفر مظلة أمان للطبيب تُمكّنه من أداء مهامه بثقة وأمان. ويبقى نجاح تطبيق هذا القانون مرهونًا بالتكامل بين التشريع والتدريب والتوعية المجتمعية.
وتقدم الجميع بالشكر للاستاذه الدكتوره سونيا العزب رئيس الكرسي العالمي لليونسكو في أخلاقيات البيولوجيا علي التنظيم العالمى والرائع للمؤتمر. وكذلك للجنه المشرفه واللجنه الاستشاريه علي اختيار المواضيع التى تهم الساعه والمختصين الدوليين الذين شاركوا بخبراتهم مع الحضور. راجين الله ان يكونوا من المدعويين للمؤتمر العام القادم.
