تكنولوجيا

اليوم العالمي للملكية الفكرية وتحديات الذكاء الاصطناعي: بين حماية الإبداع ومستقبل الابتكار

اليوم العالمي للملكية الفكرية وتحديات الذكاء الاصطناعي: بين حماية الإبداع ومستقبل الابتكار

كتب ا. د. وائل بدوى

في السادس والعشرين من أبريل من كل عام، تحتفل دول العالم بـاليوم العالمي للملكية الفكرية، الذي أقرته المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) منذ عام 2000، بهدف زيادة الوعي بأهمية حماية الابتكارات الإبداعية، وتشجيع الأفراد والمجتمعات على احترام حقوق المبدعين والمخترعين.

هذا اليوم لم يعد مجرد مناسبة احتفالية، بل تحوّل إلى منصة عالمية لطرح قضايا معقدة تتعلق بالإبداع والحقوق في عصر التكنولوجيا المتسارعة، لاسيما مع بروز الذكاء الاصطناعي كقوة جديدة تغير قواعد اللعبة.

تاريخ اليوم العالمي للملكية الفكرية

بدأ الاحتفال بهذا اليوم رسميًا عام 2001، عقب قرار الجمعية العامة للمنظمة العالمية للملكية الفكرية بتخصيص 26 أبريل، وهو تاريخ دخول اتفاقية إنشاء الويبو حيز التنفيذ عام 1970.

الهدف الأساسي كان ولا يزال نشر ثقافة حماية حقوق المؤلفين والمخترعين، وتحفيز الابتكار الذي يخدم البشرية ويعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وفي كل عام، تُحدد الويبو شعارًا خاصًا للاحتفال، يركز على جانب معين من جوانب الابتكار والإبداع — من دعم النساء المبتكرات، إلى تشجيع الشباب على حماية اختراعاتهم.

أهداف اليوم العالمي للملكية الفكرية

يمكن تلخيص أهداف هذا اليوم في عدة محاور رئيسية:

1. رفع الوعي بأهمية حماية الإبداعات: مثل الاختراعات، العلامات التجارية، حقوق المؤلف، التصاميم الصناعية، والأسرار التجارية.

2. تعزيز الابتكار كمحرك للتنمية الاقتصادية: حيث تشير الدراسات إلى أن الاقتصاديات التي تدعم الملكية الفكرية تحقق نموًا أسرع بنسبة تفوق 30% مقارنة بغيرها.

3. تشجيع الاستخدام العادل للتكنولوجيا والثقافة: عبر توازن بين حماية حقوق المبدعين وإتاحة الوصول المعقول للمعرفة.

4. مناقشة التحديات الجديدة: ومنها تأثير التقنيات الحديثة، خاصة الذكاء الاصطناعي، على أنظمة حماية الملكية الفكرية التقليدية.

الذكاء الاصطناعي والملكية الفكرية: تحديات جديدة

في السنوات الأخيرة، أصبح الذكاء الاصطناعي — مثل ChatGPT وأنظمة توليد الصور مثل DALL-E — قادرًا على إنتاج نصوص فنية، مقالات، برمجيات، صور وألحان موسيقية بمستوى ينافس الإنتاج البشري.

لكن هنا تظهر أسئلة قانونية وأخلاقية عميقة:

• من هو المبدع الحقيقي؟ هل هو النظام الذكي الذي أنتج العمل؟ أم المبرمج الذي صممه؟ أم المستخدم الذي أعطاه التوجيه؟

• هل يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي “مؤلفًا” قانونيًا؟ وفق الأنظمة التقليدية، يجب أن يكون المؤلف “شخصًا طبيعيًا”، مما يستثني الذكاء الاصطناعي تمامًا.

• ماذا عن الحقوق الاقتصادية؟ من يمتلك حق استغلال المصنف الناتج عن الذكاء الاصطناعي؟ المستخدم أم الشركة المطورة للنظام؟

وفق تقرير نشرته الويبو عام 2023:

“أكثر من 72% من الهيئات القانونية العالمية ترى ضرورة تحديث تشريعات الملكية الفكرية لمواكبة الابتكارات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي.”

وفي استبيان عالمي آخر أجرته المنظمة:

• 60% من المبدعين التقليديين أعربوا عن قلقهم من تأثير الذكاء الاصطناعي على حقوقهم.

• بينما 65% من الشركات الناشئة اعتبرت الذكاء الاصطناعي فرصة لتوسيع مجالات الإبداع إذا تمت حماية الحقوق بشكل عادل.

التحديات الكبرى التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على الملكية الفكرية

1. مشكلة الأصالة: كيف نثبت أن العمل “أصيل” إذا كان ناتجًا عن دمج بيانات قديمة درب عليها الذكاء الاصطناعي؟

2. التحايل على حقوق المؤلفين: بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي تولد أعمالًا مستوحاة بشكل واضح من أعمال محمية بدون إذن أصحابها.

3. عدم وجود إطار قانوني موحد عالميًا: تختلف معايير حماية المصنفات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي من دولة إلى أخرى، مما يخلق بيئة قانونية ضبابية.

4. التوازن بين الابتكار والوصول المفتوح: حماية الإبداع مهمة، لكن يجب ألا تؤدي إلى تقييد حرية الوصول إلى المعرفة بشكل مفرط.

الحلول المقترحة لمواجهة هذه التحديات

• تحديث التشريعات الوطنية والدولية: لتشمل المصنفات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، مع تحديد مالك الحقوق بوضوح.

• وضع معايير واضحة للتمييز بين العمل البشري والآلي: بما يحمي الإبداع البشري ولا يثني الابتكار التقني.

• تشجيع أنظمة الترخيص المفتوح والمنصف: بما يوازن بين حق المبدع في الحماية، وحق المجتمع في الوصول إلى الإبداع.

• تعزيز دور المنظمات الدولية: مثل الويبو واليونسكو، في وضع قواعد إرشادية تراعي التطور التكنولوجي وتحمي التنوع الثقافي العالمي.

في اليوم العالمي للملكية الفكرية لعام 2025، يقف العالم على مفترق طرق حساس:

بين حماية الإبداع الأصيل وبين احتضان الابتكارات التقنية، وبين تعزيز حقوق الإنسان المبدع وبين استيعاب الثورة التكنولوجية التي غيّرت طبيعة الإنتاج الفكري.

التحدي الحقيقي ليس في الاختيار بين الإنسان والآلة، بل في بناء منظومة قانونية وأخلاقية ذكية، تحفظ كرامة الإبداع الإنساني، وتُهيئ الطريق نحو عصر جديد من الابتكار المسؤول.

وفي هذا العصر، تبقى حماية الملكية الفكرية مفتاحًا رئيسيًا لصناعة مستقبل أكثر عدلًا، إبداعًا، وتوازنًا بين الإنسان والتكنولوجيا.

تم نسخ الرابط بنجاح!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى