مؤتمر زراعة الفاكهة ورؤية مصر 2030: بين الطموحات الاستراتيجية وغياب التكنولوجيات المستقبلية

مؤتمر زراعة الفاكهة ورؤية مصر 2030: بين الطموحات الاستراتيجية وغياب التكنولوجيات المستقبلية
كتب ا. د. وائل بدوى
في إطار سعي الدولة المصرية لتحقيق أهداف رؤية مصر 2030، التي تسعى لبناء اقتصاد تنافسي ومتنوع قائم على المعرفة والابتكار، يبرز القطاع الزراعي كأحد الأعمدة الأساسية في تحقيق هذه الرؤية، لاسيما في ما يتعلق بالأمن الغذائي، والتنمية الريفية المستدامة، وزيادة الصادرات الزراعية. وانطلاقاً من هذا التوجه، عُقد المؤتمر العلمي الأول لقسم تربية الفاكهة ونباتات الزينة والأشجار الخشبية يومي 22 و23 يونيو 2025، تحت عنوان “زراعة وتربية أشجار الفاكهة في مصر: التحديات والفرص من أجل مستقبل مستدام”، وبرعاية وزارة الزراعة والعديد من الشخصيات البارزة في البحث العلمي والقطاع الزراعي .
رؤية مصر 2030 والقطاع الزراعي: تطلعات استراتيجية
ترتكز رؤية مصر 2030 على عدة محاور تنموية، من أبرزها:
- التحول الرقمي في القطاع الزراعي.
- تعزيز استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في الإنتاج الزراعي.
- تطوير سلاسل القيمة الزراعية وتحسين جودة المنتجات الموجهة للتصدير.
- زيادة إنتاجية الأرض والمياه لتحقيق الأمن الغذائي.
كل هذه الأهداف تشير إلى أن مستقبل الزراعة في مصر لن يكون تقليديًا، بل يعتمد على الابتكار والحوكمة الرشيدة والمعرفة الحديثة.
المؤتمر: رؤية علمية… ولكن بعين الماضي
رغم أهمية المؤتمر من حيث الحضور والموضوعات التقليدية التي تناولها – مثل مكافحة الآفات، تأثير التغيرات المناخية، تربية الأصول الوراثية، الصادرات – إلا أنه لم يقدم رؤى واضحة أو أوراقاً علمية ذات صلة مباشرة بـ مستقبل التحول الرقمي الزراعي، أو تطبيقات الذكاء الاصطناعي، أو حتى استشراف دور التكنولوجيا الحيوية المتقدمة بشكل معمق.
بل إن غياب مصطلحات مثل “التحول الرقمي”، “الزراعة الذكية”، “الذكاء الاصطناعي الزراعي”، “تحليل البيانات الكبيرة”، و”التقنيات التنبؤية”، يضع علامات استفهام حول مدى مواءمة محتوى المؤتمر مع الأجندة الوطنية طويلة المدى.
بعد المؤتمر: أي اتجاه تتبناه الدولة؟
من الواضح أن الدولة المصرية تمتلك إرادة سياسية قوية لدعم التحول الزراعي الذكي، وهو ما ظهر في:
- المشروعات العملاقة مثل الدلتا الجديدة والريف المصري الجديد.
- دعم التحول الرقمي من خلال المنصات الزراعية الذكية التي أطلقتها وزارة الزراعة.
- إدراج مكونات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات في مبادرات تدريب المهندسين الزراعيين.
- تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص لتبني تقنيات مثل الاستشعار عن بعد والطائرات بدون طيار.
ولكن يبقى التحدي في أن الجهات الأكاديمية والمؤسسات البحثية، التي يفترض أن تكون حاضنة لهذا التحول، لم تواكب بعد هذا التوجه بنفس الوتيرة، كما ظهر في محتوى المؤتمر الأخير.
الفجوة بين الرؤية والتطبيق
المؤتمر – على أهميته – كشف عن فجوة معرفية ومؤسساتية بين الطموحات المعلنة في وثيقة رؤية مصر 2030، وبين ما يُطرح فعلياً على طاولة النقاش الأكاديمي والزراعي. فما زالت البحوث تدور في فلك التحسين التقليدي، والتقارير الوصفية، والخبرات المتوارثة، دون الدخول في أدوات الاقتصاد الرقمي الذي تتبناه الدولة في جميع قطاعاتها.
توصيات لبناء جسر بين الرؤية والمؤتمرات العلمية
- إلزام المؤتمرات الزراعية بإدراج محاور رقمية ضمن جدول أعمالها.
- دعم برامج تدريبية وطنية للباحثين الزراعيين حول أدوات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة.
- ربط الأبحاث الزراعية بمؤشرات أداء واضحة تعكس مدى مساهمتها في تنفيذ رؤية مصر 2030.
- تشجيع الشراكة بين الجامعات الزراعية وشركات التكنولوجيا الزراعية الناشئة.
- تطوير مناهج تعليم الزراعة لتشمل مكونات التكنولوجيا الحديثة في التعليم الجامعي.





الرؤية لن تُحقق بدون عقل علمي متجدد
ختاماً، لا يمكن الحديث عن زراعة مستقبلية ومستدامة في مصر دون إدماج كامل لوسائل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في البحث والتطبيق والتخطيط. والمؤتمر العلمي الزراعي، مهما بلغت أهميته، يبقى دون الأثر المرجو منه ما لم يكن مرآة تعكس توجه الدولة الحقيقي نحو الرقمنة والتحديث، لا مجرد إعادة إنتاج للنقاشات التقليدية. وإذا أردنا أن نرى “رؤية مصر 2030” واقعاً ملموساً في القطاع الزراعي، فإن أول خطوة تبدأ من تغيير الطريقة التي نفكر بها… ونناقش بها.