الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي والمؤثرون: كيف تنجو الصحافة؟

الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي والمؤثرون: كيف تنجو الصحافة؟
كتب د. وائل بدوى
تمر صناعة الصحافة والإعلام بمرحلة تحول كبيرة في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، وصعود وسائل التواصل الاجتماعي، وزيادة نفوذ المؤثرين، وتغلغل الذكاء الاصطناعي في صناعة الأخبار. في هذا السياق، أصدر معهد رويترز لدراسة الصحافة تقريره السنوي لعام 2025، والذي يرصد أبرز الاتجاهات والتحديات التي تواجه الإعلاميين، مع تقديم حلول تساعد على بقاء الصحافة في عصر التحولات الكبرى.
التقرير، الذي استند إلى آراء 326 من كبار القادة الإعلاميين في 51 دولة، كشف عن انخفاض ثقة الصحفيين في مستقبل الصناعة، مع تزايد المخاوف من الاستقطاب السياسي، القيود القانونية، وهجرة الجمهور إلى وسائل التواصل الاجتماعي على حساب الإعلام التقليدي.
مستقبل الصحافة: تحديات قائمة ورؤية ضبابية
أظهر التقرير أن ثقة قادة الإعلام في مستقبل الصحافة تراجعت من 47٪ في 2024 إلى 41٪ فقط في 2025، بينما ارتفع عدد غير الواثقين في مستقبل الصناعة من 12٪ إلى 17٪.
أبرز المخاوف التي أشار إليها التقرير:
1.تصاعد الهجمات على الصحافة، خاصة من قبل السياسيين الذين يسعون للحد من نفوذ الإعلام التقليدي.
2.الأزمة الاقتصادية وتأثيرها على الاستثمارات في المؤسسات الإخبارية.
3.تغير أنماط استهلاك الجمهور، حيث أصبح الكثيرون يفضلون متابعة الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو المؤثرين بدلًا من الصحف التقليدية.
تراجع الوظائف الإعلامية عالميًا
•فقدت صناعة الإعلام حوالي 2500 وظيفة عام 2024، بالإضافة إلى 8000 وظيفة في 2023.
•قناة CNN خسرت ثلث جمهورها بعد الانتخابات الأميركية، ما دفعها إلى تسريحات واسعة.
•هيئة BBC في بريطانيا تواجه تخفيضات في الموظفين والبرامج الإخبارية.
•المذيع العام السويسري SRG SSR يواجه استفتاء قد يؤدي إلى خفض تمويله إلى النصف.
الذكاء الاصطناعي: هل يكتب مستقبل الصحافة؟
أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا من الصحافة، حيث يعتمد عليها العديد من المؤسسات لتحليل البيانات، إنتاج المحتوى، وحتى صياغة الأخبار.
لكن هذا التطور يثير مخاوف كبيرة بين الصحفيين، حيث يرى البعض أن الخوارزميات قد تحل محل الصحفيين البشريين، مما يؤدي إلى فقدان الوظائف، وتقليل جودة المحتوى الإخباري، وانتشار المعلومات غير الدقيقة.
كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على الصحافة؟
1.زيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى
•أكثر من 77٪ من المؤسسات الإخبارية تخطط لاستخدام الذكاء الاصطناعي في إنشاء التقارير الصحفية.
•Google Discover سجل نموًا بنسبة 12٪، مما يشير إلى تحول البحث نحو الأخبار المولدة بالذكاء الاصطناعي.
2.ظهور منافسين جدد لمحركات البحث التقليدية
•أدوات مثل Search GPT وPerplexity AI بدأت تقدم ملخصات إخبارية ذكية، مما يقلل من عدد زيارات المستخدمين لمواقع الأخبار.
•أكثر من 74٪ من الناشرين قلقون من انخفاض حركة الإحالات من محركات البحث بسبب هذا الاتجاه.
3.تحول المؤسسات الإعلامية نحو نماذج تمويل جديدة
•77٪ من الناشرين يعتمدون على الاشتراكات كمصدر أساسي للإيرادات بدلًا من الإعلانات التقليدية.
•المؤسسات مثل The Guardian وThe New York Times بدأت في تطوير منتجات جديدة مدفوعة، مثل تطبيقات الطهي ومراجعات المنتجات.
وسائل التواصل الاجتماعي: لعبة القط والفأر بين الإعلاميين والمنصات
تواجه الصحافة تحديات كبرى مع تغيّر العلاقة بين وسائل الإعلام وشركات التكنولوجيا الكبرى، مثل فيسبوك (Meta)، تويتر (X)، وإنستغرام.
•انخفضت زيارات الأخبار من فيسبوك بنسبة 67٪، ومن X (تويتر سابقًا) بنسبة 50٪ خلال العامين الماضيين.
•يتزايد توجه المؤسسات الإعلامية إلى منصات بديلة مثل LinkedIn وWhatsApp، بدلًا من الاعتماد على فيسبوك.
انفجار الفيديو: هل يصبح المحتوى المرئي هو المسيطر؟
يستثمر الناشرون بشكل متزايد في شبكات الفيديو مثل:
1.YouTube وTikTok وInstagram، بسبب زيادة الطلب على الفيديوهات القصيرة.
2.BBC وThe Economist بدأوا بإضافة مقاطع فيديو قصيرة داخل مواقعهم الإلكترونية لزيادة التفاعل.
لكن هذه الاستثمارات تواجه تحديات كبيرة:
•إنتاج الفيديوهات مكلف ويحتاج إلى فرق متخصصة.
•صعوبة تحقيق أرباح مباشرة من الفيديوهات القصيرة.
•انتشار المحتوى الاصطناعي والمولّد بالذكاء الاصطناعي يزيد من صعوبة تمييز الأخبار الحقيقية من الزائفة.
المؤثرون وصناعة الأخبار: من يملك الحقيقة؟
أصبح جيل Z يعتمد بشكل متزايد على المؤثرين في استقاء الأخبار، حيث باتوا مصدرًا رئيسيًا للمعلومات في بعض الدول.
لكن المشكلة أن 77٪ من المؤثرين لا يملكون خبرة صحفية، و62٪ لا يتحققون من دقة الأخبار قبل نشرها، مما يعزز انتشار الأخبار الكاذبة.
هل يصبح المؤثرون شركاء للإعلام التقليدي؟
•بدأت بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى في التعاون مع المؤثرين للوصول إلى الجماهير الشابة.
•صحيفة لوموند الفرنسية وظّفت مؤثرين لإدارة قنواتها على TikTok وSnapchat.
•العديد من الصحف الكبرى بدأت في دمج محتوى الفيديو القصير داخل مواقعها لجذب الجمهور الجديد.
ما هي الحلول التي تقترحها رويترز للحفاظ على الصحافة؟
1. بناء علاقات جديدة مع منصات الذكاء الاصطناعي
•التعاون مع شركات مثل OpenAI وPerplexity AI لضمان تعويض الناشرين عن استخدام محتواهم.
•الضغط القانوني لإجبار المنصات على دفع رسوم مقابل استخدام الأخبار.
2. تنويع مصادر الدخل
•إطلاق خدمات جديدة مثل التدريب، البودكاست، مراجعات المنتجات، والاستشارات الإعلامية.
•تجربة النماذج المختلطة، مثل الجمع بين المحتوى المطبوع والرقمي.
3. الاستثمار في تكنولوجيا الفيديو والصوتيات
•تطوير مقالات صوتية، نشرات بودكاست، وتحويل المقالات النصية إلى فيديوهات قصيرة.
•تحسين أدوات البحث الصوتي والتفاعل مع الأخبار عبر الذكاء الاصطناعي.
الصحافة في مواجهة الذكاء الاصطناعي والتغيرات الرقمية: معركة البقاء
بين المحتوى الإخباري والتكنولوجيا: توازن صعب
لطالما كانت الصحافة في مواجهة التطورات التكنولوجية، لكن عام 2025 يبدو أنه يحمل تحديات أعمق من أي وقت مضى. فمع دخول الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى المشهد الإعلامي، وانخفاض الاعتماد على الصحافة التقليدية، وتحولات الجمهور نحو وسائل التواصل الاجتماعي، تتساءل المؤسسات الإعلامية عن مستقبلها.
المعادلة الجديدة معقدة: كيف تحافظ الصحافة على مصداقيتها وجاذبيتها في عالم يتحكم فيه الخوارزميات؟
الذكاء الاصطناعي والصحافة: صراع أم تكامل؟
على مدار العام الماضي، بدأت المؤسسات الإخبارية في فهم التأثير الحقيقي للذكاء الاصطناعي التوليدي على الصحافة. فبينما هناك مخاوف من استبدال الصحفيين بالخوارزميات، هناك أيضًا فرص جديدة لتوظيف الذكاء الاصطناعي في جمع الأخبار، التحقق من المعلومات، وتحسين التجربة الإخبارية للقراء.
أبرز استخدامات الذكاء الاصطناعي في الصحافة لعام 2025
1.تحليل البيانات الضخمة لإنتاج تقارير إخبارية أكثر دقة
2.تحسين خوارزميات التوصية الشخصية للأخبار بناءً على اهتمامات القراء
3.تحويل النصوص المكتوبة إلى مقاطع فيديو وصوتيات لجذب الجمهور الأصغر سنًا
4.تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي للبحث داخل المقالات وتحليلها بسرعة
لكن التحدي الأكبر هو: هل ستظل الأخبار التي تنتجها الصحافة التقليدية ذات قيمة في عصر الملخصات الذكية والروبوتات الإخبارية؟
مستقبل وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام التقليدي: إلى أين؟
صعود منصات الفيديو القصير وتحولات الجمهور
تشير البيانات إلى أن الفيديوهات القصيرة أصبحت من أهم وسائل استهلاك الأخبار، مع تزايد عدد المؤسسات الإعلامية التي تستثمر في TikTok وYouTube Shorts.
أبرز التغيرات في المحتوى الإخباري لعام 2025:
•اتجاه مؤسسات كبرى مثل BBC وThe Guardian لإنتاج مقاطع فيديو قصيرة داخل مواقعها الإلكترونية
•تحول وسائل الإعلام التقليدية نحو الاستثمار في محتوى أكثر تفاعلية يجذب الفئات العمرية الشابة
•زيادة استخدام المؤثرين لنقل الأخبار بطريقة أكثر جذبًا، مع تراجع متابعة الصحفيين التقليديين
المؤثرون وصناعة الأخبار: من يتحكم في المعلومة؟
أحد أكبر التحولات التي كشف عنها تقرير رويترز 2025 هو أن الجمهور الشاب بات يثق أكثر بالمؤثرين كمصادر إخبارية، مما يطرح تساؤلات عن مدى دقة هذه الأخبار، ومدى التحقق منها قبل نشرها.
•77٪ من المؤثرين لا يمتلكون أي خبرة صحفية
•62٪ من المؤثرين لا يتحققون من صحة المعلومات قبل نشرها
وهذا يعزز من مخاطر الأخبار المضللة، خاصة أن العديد من المؤثرين يسعون لجذب المشاهدات أكثر من تقديم محتوى موثوق.
لكن هل يمكن للصحافة التقليدية الاستفادة من هذا الاتجاه؟
بدأت بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى في دمج المؤثرين ضمن فرقها الإعلامية، وتدريبهم على إعداد تقارير صحفية حقيقية، مما قد يكون حلاً لتجاوز أزمة الثقة في الصحافة التقليدية.
مستقبل الإيرادات في الإعلام: هل نعود للطباعة؟
مع تراجع الإعلانات الرقمية، بدأت العديد من المؤسسات الإعلامية في البحث عن مصادر دخل جديدة، أبرزها:
1.الاشتراكات المدفوعة:
•77٪ من الناشرين يعتمدون على الاشتراكات كمصدر رئيسي للإيرادات
•بعض الصحف بدأت بتقديم محتوى حصري لجذب المشتركين
2.التمويل من المنصات الذكية:
•شركات مثل Google وOpenAI بدأت في عقد شراكات مع المؤسسات الإعلامية لدعم الصحافة المدفوعة
3.العودة إلى الطباعة:
•بعض الناشرين أعادوا التفكير في الطباعة كوسيلة مستقلة عن تحكم خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي
•مجلة The Atlantic قررت العودة إلى إصدار 12 عددًا سنويًا بدلاً من 10
كيف يمكن للصحافة أن تنجو في عام 2025؟
يقدم تقرير رويترز عدة حلول لمواجهة هذه التحديات، أبرزها:
1.تعزيز الشراكات مع الذكاء الاصطناعي بدلاً من مقاومته
2.الاستثمار في الفيديو والمحتوى التفاعلي لجذب الأجيال الجديدة
3.تطوير نماذج اشتراك مرنة تحافظ على تدفق الإيرادات
4.إعادة النظر في العلاقات مع المؤثرين لتعزيز انتشار الأخبار الموثوقة
5.تعزيز الشفافية في إعداد التقارير لكسب ثقة الجمهور
الخاتمة: هل الصحافة في طريقها إلى الزوال؟
بالرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه الإعلام التقليدي، فإن الصحافة لا تزال تمتلك أدوات البقاء، لكن بشرط أن تتكيف مع العصر الرقمي وتعيد تعريف دورها في عالم يسيطر عليه الذكاء الاصطناعي، منصات التواصل الاجتماعي، والمؤثرون.
النجاح في 2025 لن يكون للمؤسسات الإعلامية التي ترفض التغيير، بل لتلك التي تبتكر، تتكيف، وتفهم كيف يستهلك الجمهور الأخبار في هذا العصر الجديد.
المصدر:
•تقرير رويترز لدراسة الصحافة 2025
•دراسات Gartner و Pew Research حول تأثير الذكاء الاصطناعي والمؤثرين على الصحافة