غياب التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي عن مؤتمر زراعة الفاكهة – فرصة ضائعة أم توجه مقصود؟

غياب التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي عن مؤتمر زراعة الفاكهة – فرصة ضائعة أم توجه مقصود؟
كتب ا. د. وائل بدوى
في ظل تسارع التقدم التكنولوجي وثورة الذكاء الاصطناعي التي تجتاح مختلف مجالات الحياة، يظل القطاع الزراعي من أكثر القطاعات حاجة إلى التحديث والرقمنة، ليس فقط لمواجهة التحديات المناخية والإنتاجية، بل ولتحقيق الاستدامة وتعزيز الكفاءة والابتكار. ومع ذلك، يلاحظ المتابع لمجريات المؤتمر العلمي الأول لقسم تربية الفاكهة ونباتات الزينة والأشجار الخشبية، والمنعقد في 22–23 يونيو 2025 تحت عنوان “زراعة وتربية أشجار الفاكهة في مصر: التحديات والفرص من أجل مستقبل مستدام”، غياباً لافتاً لأي مكون تكنولوجي حديث، وبالأخص الذكاء الاصطناعي، في البرنامج العلمي للمؤتمر .
أين التكنولوجيا من مشهد التحديات؟
المؤتمر الذي ضم نخبة من رموز القطاع الزراعي وكبار الباحثين والخبراء، تناول محاور هامة مثل مكافحة الآفات، الصادرات، تأثير التغير المناخي، حماية الأصناف النباتية، وتربية الجذور الوراثية. لكن الملاحَظ هو التركيز الكلي على المعالجات التقليدية والتقارير التحليلية بدون أي إدماج لتقنيات الثورة الصناعية الرابعة، وعلى رأسها:
- الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالأمراض والآفات
- تحليل البيانات الزراعية الضخمة لتوجيه الممارسات الحقلية
- أنظمة الري الذكية والمراقبة بالدرون
- الزراعة الدقيقة (Precision Agriculture) باستخدام إنترنت الأشياء والاستشعار عن بعد
إن غياب هذه المحاور يُعدّ إغفالاً لفرص كان من الممكن مناقشتها وربما تبنيها ميدانياً.
غياب الذكاء الاصطناعي عن الأبحاث والنقاشات
في جلسات عرض الأوراق البحثية التي امتدت لليومين، لم تُسجّل أي ورقة تتناول تطبيقات الذكاء الاصطناعي أو حتى نماذج أولية لاستخدام التكنولوجيا الزراعية في قطاع الفاكهة. كما أن الحلقات النقاشية مع الخبراء ركزت على السياسات والإنتاج والتسويق ولم تطرح تساؤلات حول الرقمنة أو مستقبل المكننة الذكية.
هل هو تجاهل أم فجوة معرفية؟
هذا الغياب قد يكون ناتجاً عن أحد أمرين:
- نقص الوعي المؤسسي بالتكنولوجيا الحديثة، إذ أن بعض المؤسسات الأكاديمية الزراعية لم تواكب بعد توجهات الثورة الرقمية في المجال الزراعي.
- تجاهل مقصود لموضوعات الذكاء الاصطناعي لاعتبارات تقليدية أو محافظة، ترى أن التحول الرقمي لا يزال مبكراً أو غير ذي أولوية في قطاع الفاكهة.
لكن في الحالتين، النتيجة واحدة: فجوة معرفية قد تساهم في تأخر التحول الرقمي للزراعة المصرية، لا سيما في ظل التحديات المناخية، وندرة الموارد، والمنافسة العالمية في سلاسل الإمداد الغذائي.
من أجل مستقبل مستدام… لا بد من التحديث
المفارقة المؤلمة أن عنوان المؤتمر نفسه يدعو إلى “مستقبل مستدام”، وهو مستقبل لا يمكن بلوغه دون أدوات المستقبل، وعلى رأسها التكنولوجيا. فكيف يمكن الحديث عن الاستدامة دون تضمين آليات التحليل التنبؤي، وأنظمة الدعم الذكي للقرارات الزراعية، أو حتى عرض تجارب الدول التي نجحت في استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين إنتاج الفاكهة وجودتها ومردودها؟





توصيات ضرورية للمؤتمرات القادمة
لكي تواكب المؤتمرات الزراعية القادمة التوجه العالمي، من الضروري:
- دعوة خبراء في الذكاء الاصطناعي الزراعي لعرض أحدث التطبيقات.
- تنظيم جلسات موازية حول التحول الرقمي في زراعة الفاكهة.
- عرض نماذج ريادية لمزارع ذكية في مصر وتقييم جدواها.
- تشجيع الباحثين على تقديم أوراق في مجالات تحليل البيانات الزراعية، التعلم الآلي، والطائرات دون طيار.
إن استبعاد الذكاء الاصطناعي من مشهد مؤتمر يناقش “مستقبل زراعة الفاكهة في مصر” هو رسالة ضمنية بأننا لا نزال ننظر إلى الزراعة بمنظار الماضي. وفي عصر أصبحت فيه الخوارزميات الزراعية، والروبوتات الحقلية، وخرائط الإنتاج الرقمية جزءاً من الواقع الزراعي في الدول المتقدمة، يبقى السؤال مطروحاً: متى تواكب مؤتمراتنا الزراعية ما يجري فعلاً في المزارع الذكية حول العالم؟