مؤتمر زراعة الفاكهة بين اجترار الماضي وتجاهل الحاضر – غياب الرؤية في زمن التحول

مؤتمر زراعة الفاكهة بين اجترار الماضي وتجاهل الحاضر – غياب الرؤية في زمن التحول
كتب ا. د. وائل بدوى
يعُقد خلال يومي 22 و23 يونيو 2025 المؤتمر العلمي الأول لقسم تربية الفاكهة ونباتات الزينة والأشجار الخشبية تحت شعار “زراعة وتربية أشجار الفاكهة في مصر: التحديات والفرص من أجل مستقبل مستدام”. وبرغم ما يحمله العنوان من وعود وتجليات تنموية، فإن محتوى المؤتمر، على مستوى الجلسات والمحاور والمداخلات، يعكس واقعاً منغلقاً على النمطية ومفصولاً عن الزمن الحقيقي الذي تعيشه مصر والعالم.
اجترار الماضي في زمن الثورة الرابعة
المتأمل في برنامج المؤتمر يلاحظ هيمنة أسماء ووجوه معروفة تنتمي إلى مؤسسات وحقب سابقة، وطرحاً موضوعياً يعيد تدوير مفاهيم مألوفة: مكافحة الآفات، تصدير الفاكهة، تربية الجذور، التأثر بالتغير المناخي… دون أن نجد أثراً حقيقياً لمفاهيم المستقبل كـ”التحول الرقمي”، “الذكاء الاصطناعي الزراعي”، “الزراعة الدقيقة”، أو حتى “التمكين التكنولوجي للمزارع”.
ما قُدِّم في المؤتمر لا يختلف كثيراً عما كان يُقدّم في مؤتمرات التسعينيات. غابت الروح المستقبلية، وظهر واضحًا الاعتماد على أوراق بحثية تقليدية لا تخرج عن توصيف المشكلة أو اقتراح حلول معتادة، دون أي تجريب حقيقي أو ربط عملي بالمبادرات التنموية الحديثة في الدولة.
تجاهل صريح للواقع الرقمي
في بلدٍ يتوسع في مشروعات كبرى مثل الدلتا الجديدة، ويطلق منصات رقمية مثل النافذة الزراعية الذكية، ويُعلن عن خطط إدخال الذكاء الاصطناعي في القطاعات الخدمية، لم يجد المؤتمر سبيلاً للإشارة أو حتى مجرد التلميح إلى هذه التحولات. لا ورقة علمية تناولت استخدام تقنيات التحليل التنبؤي في زراعة الفاكهة، ولا تجربة ميدانية عُرضت حول الطائرات المسيرة أو الحساسات الذكية في المزارع.
مصر اليوم ليست كما كانت قبل خمس سنوات. هناك تغيّر في نوع التحديات الزراعية، مثل نقص المياه، تغير خريطة المحاصيل، ومشكلات التسويق في ظل الاقتصاد الرقمي. ومع ذلك، جاء المؤتمر وكأنه منفصل عن هذه الأرضية، وكأن منظّميه يكتفون بالمظاهر البروتوكولية، دون أن يطرحوا سؤالًا واحدًا عن علاقة ما يُناقش برؤية الدولة أو أولويات الفلاح.
خطاب خشبي لا يعكس التحديات الحقيقية
حتى الجلسات النقاشية التي جمعت بين “الخبراء” افتقرت للحيوية أو الصدام الفكري أو الجرأة في الطرح. لا أحد تطرق إلى تحديات تمويل البحث الزراعي، أو أزمة العقول الشابة التي تهجر المراكز البحثية، أو الصدام القائم بين السياسات الزراعية ونظم التعليم الزراعي المهترئة. لم يُناقش أي من الخبراء سؤال المستقبل: كيف نزرع في 2035؟ ما أدوات المزارع الرقمي؟ من يملك المعرفة؟ ومن يملك التكنولوجيا؟
غياب الشباب… غياب المستقبل
لفت النظر أيضًا الغياب شبه الكامل لفئة الشباب أو رواد الأعمال الزراعيين أو الشركات الناشئة في مجال “AgriTech”. وكأن المؤتمر لا يرى أن جيلاً جديدًا بدأ يفرض وجوده على ساحة الزراعة بتطبيقات الهاتف والذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات. كيف يُبنى مستقبل زراعة الفاكهة دون أن نسمع صوت من سيعيش هذا المستقبل؟!
المؤتمر كمرآة لأزمة أعمق
هذا المؤتمر ليس مجرد حدث علمي باهت، بل هو مرآة تعكس أزمة مؤسساتية في كيفية إدارة المعرفة الزراعية في مصر. نحن أمام عقلية بيروقراطية تُقيم المؤتمرات لذاتها، لا لتغيير الواقع. تُراكم الشهادات والتوصيات، دون أن تُسائل نفسها: ما الأثر؟ من المستفيد؟ ومتى سنغادر قاعات العرض إلى حقل التجريب والممارسة؟





لا نحتاج مؤتمرات… نحتاج ثورة فكرية
ما نحتاجه اليوم في مصر ليس مؤتمرات تُقام من باب “رفع العتب”، بل ثورة فكرية في إدارة البحث الزراعي، تربط بين الواقع الرقمي، وأدوات الذكاء الاصطناعي، وهموم المزارع، وطموحات الدولة. ولن يتحقق ذلك إلا حين يُدار المؤتمر بعقلية جريئة، ترى في الفشل فرصة، وفي الشباب ركيزة، وفي التكنولوجيا ضرورة لا رفاهية.
أما ما حدث في هذا المؤتمر… فهو باختصار إعادة طلاء لجدار قديم، دون أن يُمسّ أساسه المتشقق.