تكنولوجيا

 العالم يركض نحو المستقبل الرقمي.. و5G يقود القافلة

العالم يركض نحو المستقبل الرقمي.. و5G يقود القافلة

بقلم: ا. د. وائل بدوى

لم يعد العالم ينتظر المستقبل الرقمي، بل صار يركض إليه بخطوات متسارعة، تقودها شبكات الجيل الخامس (5G) التي تحولت من فكرة طموحة إلى واقع يومي يغيّر أسلوب حياتنا وأعمالنا. هذا ما كشفه تقرير إريكسون العالمي للتنقل الصادر في يونيو 2025، الذي قدّم أرقامًا وتوقعات مذهلة تؤكد أن ثورة الاتصالات دخلت مراحلها الأعمق والأوسع.

بحسب التقرير، وصل عدد اشتراكات 5G في العالم مع نهاية الربع الأول من 2025 إلى حوالي 2.4 مليار اشتراك، بزيادة 145 مليون اشتراك خلال ثلاثة أشهر فقط. ويتوقع أن يبلغ العدد مع نهاية هذا العام 2.9 مليار، أي ما يعادل ثلث الاشتراكات العالمية للهاتف المحمول. بل ويذهب التقرير إلى ما هو أبعد، متوقعًا أن يصل العدد إلى 6.3 مليار اشتراك بحلول 2030.

هذا النمو الهائل ترافق مع قفزات كبيرة في استهلاك البيانات؛ إذ ارتفع حجم حركة البيانات على شبكات المحمول بنسبة 19% مقارنة بالعام الماضي. ومن المتوقع أن يواصل الارتفاع بمعدل نمو سنوي مركب يصل إلى 17% حتى 2030.

أبرز التقرير أن دول الخليج العربي تقود مسيرة الجيل الخامس في المنطقة، مع توقعات بوصول نسبة تبني 5G إلى 90% من إجمالي الاشتراكات بحلول 2030، مدعومة بمشروعات المدن الذكية والاقتصاد الرقمي. في حين يُنتظر أن تبلغ نسبة الجيل الخامس في عموم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 61% في نفس العام.

أما في إفريقيا جنوب الصحراء، فيظهر التقرير طموحًا واعدًا مع تقدير وصول عدد اشتراكات 5G إلى 400 مليون اشتراك بحلول 2030، تدعمها تطبيقات الصحة والتعليم عن بعد، والخدمات المالية الرقمية التي باتت ركيزة للاقتصادات المحلية.

ولم تغب موجة الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) عن مشهد الاتصالات، حيث أظهر التقرير أن أدوات مثل «ChatGPT» تشكّل حاليًا 60% من حركة بيانات الذكاء الاصطناعي على شبكات المحمول، مع ملاحظة ارتفاع ملحوظ في نسبة البيانات الصادرة (uplink) مقارنة بالنمط التقليدي، وهو ما سيدفع شركات الاتصالات مستقبلًا إلى إعادة النظر في تخطيط الطيف الترددي، واستثمارات البنية التحتية.

ولم يكن التقرير ليتجاهل صعود نجم الإنترنت الثابت اللاسلكي (FWA)، الذي بات خيارًا استراتيجيًا للكثير من شركات الاتصالات لتوسيع قاعدة النطاق العريض، خاصة في المناطق التي يصعب فيها تمديد الألياف الضوئية. فاليوم، أكثر من 50% من شركات الاتصالات التي تقدّم FWA أصبحت تعتمد على باقات بسرعات متعددة، ويُتوقع أن يشكّل FWA أكثر من 35% من جميع الاشتراكات الجديدة في الإنترنت الثابت بحلول 2030.

هذه الأرقام والمعطيات تؤكد حقيقة لم تعد خافية: نحن في سباق حقيقي نحو عالم مترابط أكثر من أي وقت مضى. شركات الاتصالات تواجه ضغوطًا متزايدة ليس فقط لتوسيع تغطية 5G، بل أيضًا للانتقال نحو الشبكات المستقلة (Standalone) التي تفتح الباب أمام خدمات متقدمة مثل تقطيع الشبكات (Network Slicing)، وإنترنت الأشياء الصناعي، والواقع المعزز.

وفي منطقتنا العربية، تبدو الفرصة سانحة أكثر من أي وقت مضى لمواكبة هذا الزخم، من خلال سياسات طيف ترددي مرنة، وتشجيع الابتكار المحلي، وتحفيز الاستثمارات في التطبيقات الذكية التي تجعل من 5G أداة لتحسين جودة الحياة، وليس مجرد سرعات أعلى للتحميل.

إنها لحظة فارقة تعيد تشكيل مستقبل الاقتصاد والتعليم والصحة والترفيه. ومن يقف على بوابة التكنولوجيا الآن مترددًا، قد يجد نفسه غدًا خارج أسوار العالم الجديد.

تم نسخ الرابط بنجاح!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى