شهادة الحلال بين السيادة الاقتصادية ومتطلبات العولمة

شهادة الحلال بين السيادة الاقتصادية ومتطلبات العولمة
بقلم: الدكتور حسين المطعني – الصحفي والمحامي بالنقض
في منتدى قادة السياسات بين مصر والولايات المتحدة 2025، المقام في القاهرة وسط حضور رفيع المستوى من الوزراء ورجال الأعمال،
ألقى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، كلمة استعرض خلالها الطفرة الاقتصادية التي تمر بها مصر، مسلطًا الضوء على تمكين القطاع الخاص وتسهيل المناخ الاستثماري.
القرار المُثير للجدل: إعفاء منتجات الألبان من شهادة الحلال
وسط التصفيق الاقتصادي، جاء إعلان مفاجئ من رئيس الوزراء بإعفاء منتجات الألبان ومشتقاتها المستوردة من شرط الحصول على شهادة الحلال، خطوة اعتبرها البعض “نوعية” لتعزيز التجارة مع الولايات المتحدة، وقد تم إخطار منظمة التجارة العالمية بها رسميًا يوم 12 مارس 2025 ضمن اتفاقية TBT.
لكن القرار فجّر جدلًا واسعًا امتد من الشارع إلى المؤسسات الدينية.
ما هي شهادة الحلال؟ ولماذا تهمنا؟
شهادة الحلال هي توثيق رسمي بأن منتجًا معينًا يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية. ولا تقتصر على اللحوم فحسب، بل تشمل الألبان، الأدوية، مستحضرات التجميل، وغيرها. وجودها يطمئن المستهلك المسلم بأن ما يستهلكه لا يتعارض مع دينه، وأنه نقي من المواد المحرّمة مثل الخنزير أو الكحول أو المكونات النجسة.
رد الحكومة: لا إلغاء بل تنظيم جديد
المستشار محمد الحمصاني، المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، أصدر بيانًا توضيحيًا شدد فيه على أن:
• القرار لا يعني إلغاء الشهادة.
• الهدف هو فتح السوق لجهات أكثر لإصدارها.
• تقليل الاحتكار وخفض تكاليف الاستيراد.
• تحسين الرقابة وتوسيع المنافسة.
وأكد أن هذه الخطوة ستحمي المستهلك من ارتفاع الأسعار.
هل هناك مخالفة شرعية؟ الرأي الفقهي المتوازن
فقهيًا، لا يُعد القرار مخالفًا طالما بقيت الشروط الشرعية قائمة، والرقابة فعالة.
فالشريعة لا ترفض التيسير والتطوير، لكنها ترفض التفريط، خاصة حين يتعلق الأمر بمكونات الطعام الذي يُبنى عليه الدين والعقيدة.
ولكن الخطورة تظهر إذا تم تسهيل الأمور دون رقابة فعالة، مما قد يؤدي إلى دخول منتجات غير حلال فعليًا، رغم تسميتها كذلك.
شهادة الحلال والاتفاقيات الدولية
القرار يتماشى مع اتفاقية TBT التي تمنع فرض قيود غير علمية على التجارة.
لكن رغم التوافق القانوني، فإن الرهان الحقيقي هو في قدرة الدولة على التوازن بين التزاماتها الدولية وهويتها الدينية.
فتح الأسواق لا يعني فتح الباب للشك في ما نأكله ونشربه.
دق ناقوس الخطر: لا تمسوا طعامنا وعقيدتنا!
هنا نصل إلى جوهر القضية:
“هل نثق أن جميع الشركات ستلتزم بالشروط؟ وهل لدينا جهات رقابية كافية لرصد التجاوزات؟”
الخطر هنا ليس اقتصاديًا فقط، بل دينيًا وأخلاقيًا. فدون رقابة صارمة، قد نفاجأ يومًا بمنتجات ألبان تحوي مشتقات من حيوانات محرّمة كالخنزير أو الكلاب أو القطط، وقد تُهرّب مكونات محرّمة تحت غطاء “حلال”.
التلاعب في الحلال = التلاعب في العقيدة نفسها.
فإذا اختلط علينا طعامنا، اختلط علينا ديننا.
وإذا فُقدت الثقة، فُقد الاستقرار.
باختصار : لا انغلاق… ولا تفريط
كلمة الدكتور مصطفى مدبولي تحمل نوايا طيبة نحو تطوير الاقتصاد المصري، لكن لا بد أن يُصاحبها تأكيد صريح على احترام العقيدة الإسلامية في كل خطوة.
السيادة لا تعني الانغلاق، والانفتاح لا يعني التفريط.
قوة مصر ليست فقط في اقتصادها، بل في حماية هوية شعبها أثناء الانفتاح على العالم.
“الاستثمار في الإنسان لا يكون فقط بالمال والتعليم، بل أيضًا بحماية معتقده وهويته… فإن ضاعت الهوية، ضاع الوطن، مهما زادت الاستثمارات.”