تحقيقات و تقاريرتكنولوجياسياحة داخليةسياحة عالميةسياحة وطيران

رحلة المتحف المصري الكبير … من الحلم إلى الافتتاح

رحلة المتحف المصري الكبير … من الحلم إلى الافتتاح

كتب ا. د. وائل بدوى.

عندما أُعلن عام 1992 عن تخصيص أرض لبناء المتحف المصري الكبير – كان الأفق بعيداً، والحلم كبيراً. واليوم، وعلى مشارف عام 2025، يقف المشروع على أبواب الافتتاح الرسمي بعد أكثر من ثلاثة عقود من التخطيط، والبناء، والتأهيل، والتأخير، والتحديات. هذه رحلة صرح ثقافي ضخم، ليس فقط لمصر، بل للعالم.

1. بذرة الفكرة وموقع المشروع

بدأت القصة حينما أعلنت الدولة المصرية عن رغبتها في إنشاء متحف عصري جديد خارج القاهرة القديمة، يجمع تراث مصر الفرعونية ويقدّمه في بيئة حديثة وآمنة. على بعد نحو كيلومترين فقط من هضبة الجيزة وأهرامها الشهيرة، تم اختيار موقع المتحف – فالقرب من الأهرام رمز وعلامة، والبُعد قليلاً عن زحام وسط العاصمة يوفر مساحةٍ أوسع للزوار والبُنى.

2. التصميم والبناء

تم إطلاق مسابقة دولية لتصميم المتحف، ففازت بها شركة Heneghan Peng Architects عام 2003. 
بدأ العمل الفعلي في حوالي عام 2005، لكن الطريق لم يكن سهلاً:
• توقّف بسبب ثورات الربيع العربي عام 2011. 
• تأخر أيضاً بسبب جائحة كوفيد-19 في 2020 وما تلاها من تعقيدات.
• تجاوزت التكلفة مليار دولار أمريكي، ليكون واحداً من أكبر المتاحف في العالم المخصصة لحضارةٍ واحدة. 

3. المساحة والهيكل

يقع المتحف على مساحة تقارب 50 هكتاراً، ويُعد الأكبر من نوعه، حيث صُمّمت المعارض والمرافق بأعلى المعايير الحديثة للسلامة، الحفظ، التكييف، والبحث العلمي. 
من الملامح المعمارية اللافتة: القاعة الكبرى، السلم العظيم، واجهات من الألباستر تحاكي ضوء الصحراء، ونوافذ بانورامية تطل على أهرام الجيزة.

4. نقل القطع وإعداد المتحف

نُقلت آلاف القطع الأثرية من متحف القاهرة ومن مواقع كثيرة عبر مصر. أبرزها القولبة الكاملة لمقتنيات توت عنخ آمون – أكثر من 5 000 قطعة ستُعرض في المتحف لأول مرة. 
قصّة نقل التمثال الضخم لـ رمسيس الثاني (82 طناً) من ميدان رمسيس إلى موقع المتحف عام 2006 كانت علامة بارزة. 
وفي المعامل والمختبرات تحت الأرض، يُستعاد ترميم الآثار بمنشآت متخصصة – أول مرة تحدث في الشرق الأوسط بهذا الحجم. 

5. التأخير المتكرر والافتتاح المرتقب

رُسمت عدة تواريخ للافتتاح: 2020، 2021، 2023، 3 يوليو 2025، ثم تأخر الافتتاح إلى 1 نوفمبر 2025. 
رغم التأخيرات، تم فتح بعض المعارض من أكتوبر 2024 كمقدمة للعرض الكامل، لكنها لم تشمل بعد كل المحتوى – خاصة معرض توت عنخ آمون والقوارب الشمسية لـ الفرعون خوفو. 

6. ما الذي يقدمه المتحف؟
• أكثر من 100 000 قطعة أثرية من فترات ما قبل الأسرات إلى العهد الروماني. 
• تنظيم المعارض وفق ثلاثة محاور رئيسية: الملكية، المجتمع، المعتقدات. 
• تجربة زائر يشعر بأنها سفر عبر آلاف السنين، مع ركيزة تكنولوجية حديثة، ومسارات عرض مبتكرة.
• مجهّز لاستقبال ملايين الزوار سنوياً – دخل السياحة المصري­ّة يتحسّن. 

7. التحديات والإمكانات

تحديات:
• الإدارة اللوجستية لنقل القطع الأثرية الثقيلة.
• التحديات الأمنية وحفظ القطع من العوامل البيئية والزلازل.
• تحقيق الجدوى الاقتصادية للمشروع في ظل تغيّرات المناخ السياحي والاقتصادي العالمي.

فرص:
• محور جذب سياحي ضخم يقوي مكانة مصر العالمية.
• تعزيز البحث العلمي والفنون والترميم داخل مصر.
• دمج الحضارة المصرية القديمة بتكنولوجيا العرض الحديث.

8. دلالة وطنية وعالمية

المتحف ليس مجرد مبنى أو تجميع مقتنيات؛ بل هو علامة حضارية. يشكّل رسالة بأن مصر ليست فقط ماضية، بل حاضرة وطموحة للمستقبل. هو استثمار في الثقافة والهوية والاقتصاد السياحي والتعليم­ي.
كما أنه يُظهر للعالم أن الحضارة المصرية تستحق أن تُعرض في أبهى صورها، وفق مناهج العرض، البحث، والتفاعل الحديثة.

9. ماذا نتوقّع من الافتتاح؟

عند فتح الأبواب رسمياً، سيتاح للجمهور العربي والعالمي أن يعيش التجربة الكاملة: تجوّل بين الصالات، مشاهدة مقتنيات توت عنخ آمون كاملة، التمعّن في العمارة والتكنولوجيا، والتعلم ضمن بيئة حديثة.
قد تكون البداية لإعادة تشكيل خريطة السياحة والثقافة في مصر، وربط البحر القديم والغربي بأبعاد حديثة ومتعدّدة.

10. خاتمة: الحلم الذي لم يتراجع

من الأرض المخصصة عام 1992 إلى الافتتاح المنتظر في نهاية 2025، تم اجتياز العواصف السياسية، الأزمات العالمية، التأخيرات، والضغوط المالية. لكن الحلم استمر.
اليوم نقترب من تحقيقه، ونقترب أيضاً من لحظةٍ سيخلّدها التاريخ: حين يفتح أخيراً هذا الصرح، وتتمكن البشرية من رؤية تاريخٍ يمتد آلاف السنين في مكانٍ واحد، مصمّم ليتكلّم إلى الأجيال، وليس فقط للزوار.
فليكن المتحف المصري الكبير رمزاً ليس للماضي فقط، بل للاستمرار والتمكين والإبداع في الحاضر والمستقبل.

تم نسخ الرابط بنجاح!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى