تشويه التراث المصري بالذكاء الاصطناعي: عبث رقمي أم جريمة ثقافية؟

تشويه التراث المصري بالذكاء الاصطناعي: عبث رقمي أم جريمة ثقافية؟
كتب د. وائل بدوى
في زمن التطور الرقمي، أصبح الذكاء الاصطناعي أداة قوية تُستخدم في مجالات متعددة، من الطب والتعليم إلى الفنون والترفيه. ولكن كما لكل سلاح وجهان، فقد بدأنا نشهد أسوأ التطبيقات لهذه التقنية، حيث يتم استخدامها لتشويه الرموز التاريخية والحضارية، كما يحدث الآن مع التراث المصري على منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة “تيك توك”.
انتشرت في الفترة الأخيرة فيديوهات مسيئة تستغل الذكاء الاصطناعي في تحويل التماثيل المصرية القديمة إلى راقصات، أو شخصيات في معارك وهمية، أو إسقاطات ساخرة على حقب تاريخية عظيمة. هذا ليس مجرد استهتار، بل هو تشويه متعمد لرموز حضارية تمثل هوية مصر أمام العالم، وكأن إرثنا العظيم أصبح مادة للتهريج والتشويه.
الأمر ليس مجرد “مزحة رقمية” كما يحاول البعض تبريره، بل إهانة مباشرة لتراث يعود لآلاف السنين، ولثقافة شكلت جزءًا أساسيًا من الهوية الإنسانية جمعاء. فهل يُعقل أن تُستخدم التقنيات الحديثة التي قدمت للعالم طفرة علمية، لتكون أداة لهدم قيم حضارية؟ وهل أصبح من الطبيعي أن يتم العبث بالرموز الوطنية والتاريخية دون أي رقابة أو ردع قانوني؟
أين دور الجهات المسؤولة؟ هل يعقل أن يكون التراث المصري متاحًا لأي شخص ليعبث به كيفما شاء، دون ضوابط أو قيود؟ لا توجد أي دولة في العالم تسمح بهذا القدر من التسيب الرقمي في التعامل مع إرثها الثقافي. فلماذا نترك هذه المهزلة مستمرة؟
إن غياب الرقابة على المحتوى الرقمي لا يعني حرية التعبير، بل تحول الفوضى إلى قانون يسمح لأي شخص بالعبث بأي قيمة ثقافية أو تاريخية دون حسيب أو رقيب. وما يحدث الآن هو إهانة لقيمنا التاريخية والحضارية، وإساءة لصورة مصر عالميًا، وهو أمر لا يجب السكوت عنه.
لقد حرص الكثيرون على عدم مشاركة هذه الفيديوهات احترامًا للتاريخ المصري العريق، ولكن هذا ليس كافيًا. يجب أن يكون هناك تحرك فوري من الجهات المختصة، سواء كانت وزارة الثقافة، أو هيئة الآثار، أو المجلس الأعلى للإعلام، لوضع حد لهذا العبث، ومنع انتشار هذه الأعمال التي تشوه صورة مصر وتراثها العظيم.
وقد عبَّر الأستاذ الدكتور محمد لبيب عبر حسابه على الواتس آب عن استيائه الشديد من انتشار العديد من الفيديوهات على منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة تيك توك، والتي تسيء إلى التراث المصري من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي في تشويه التماثيل المصرية القديمة، وتحويلها إلى راقصات، أو شخصيات في معارك وهمية، وغيرها من المشاهد غير اللائقة.
وقال د. لبيب:
“أرجو من السادة المسؤولين وقف هذه المهزلة ومعاقبة كل من يقوم بذلك. كفانا تهريجًا وخلط الحابل بالنابل. هل هذا هو جزاء الذكاء الاصطناعي الذي صنعه الغرب لنطبّقه نحن بأسوأ تطبيق؟ إنه شيء يدعو للحزن والغيظ. أليس هناك رقابة على هذه الأعمال المسيئة للتراث؟”
وأضاف:
“لقد حرصت على عدم ظهور هذه الفيديوهات بناءً على طلب الأصدقاء، لأنها بالفعل مخزية. لا يمكن أن يكون التراث المصري سداحًا مداحًا هكذا بدون رقيب.”
وختم حديثه بقوله: “اللهم الهادي.”
إذا لم يكن هناك تحرك جاد الآن، فسنجد أنفسنا في دوامة جديدة من العبث الذي لا حدود له. وسيصبح التراث المصري، الذي صمد لآلاف السنين، عرضة للتشويه الرقمي، دون أن يحرك أحد ساكنًا. فهل ننتظر حتى يصبح كل شيء متاحًا للتلاعب والتهكم؟ أم أن الوقت قد حان لنقف بحزم ضد هذا التعدي السافر على تاريخنا وحضارتنا وهويتنا؟