
الذكاء الاصطناعي بين الطموح والواقع: قراءة في دليل المجلس الأعلى للجامعات (سبتمبر 2025)
كتب ا. د. وائل بدوى
يشكّل الذكاء الاصطناعي أحد أبرز التحولات التكنولوجية التي تواجه الجامعات حول العالم، إذ يفتح آفاقًا واسعة للتعليم المخصصة، وتحليل البيانات، وتطوير البحث العلمي. وفي هذا السياق، أصدر المجلس الأعلى للجامعات في مصر في سبتمبر 2025 النسخة الثالثة من دليل ضوابط استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي والبحث العلمي، كخطوة لإدماج التكنولوجيا في التعليم بشكل منظم، مع الحفاظ على الأخلاقيات والمعايير الأكاديمية .
محاور الدليل
يركّز الدليل على عدة جوانب رئيسية:
- الإطار الوطني: يستند إلى الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2025–2030، والميثاق المصري لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى قانون حماية البيانات الشخصية رقم 151 لسنة 2020.
- الأبعاد الأخلاقية: يشدد على ضرورة الالتزام بمبادئ الشفافية، الإفصاح عن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في البحث أو التدريس، وضمان نزاهة وأصالة الإنتاج العلمي.
- التعليم العالي: يتناول دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز التعليم التكيفي، وتحسين فرص التعلم الإلكتروني، وتطوير أدوات تحليل الأداء الأكاديمي.
- البحث العلمي: يضع ضوابط للاستعانة بالذكاء الاصطناعي في التحليل والكتابة والترجمة، مع التحذير من الاعتماد المفرط على النماذج التوليدية في إنتاج المحتوى البحثي دون إشراف بشري.
- المواءمة الدولية: يستعرض تقارير ومنظمات دولية مثل اليونسكو، OECD، الاتحاد الأوروبي، ومعايير NIST الأميركية، محاولًا ربط السياق المحلي بالمعايير العالمية.
الذكاء الاصطناعي يكتب عن نفسه
من المثير للانتباه أن الدليل نفسه يعترف، في صفحة 5، بأن إعداد الاستراتيجية تم باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي إلى جانب عمل اللجان والخبراء البشريين . هذه الإشارة تكشف مفارقة لافتة: الوثيقة التي تضع ضوابط لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الجامعات، استعانت فعليًا بالذكاء الاصطناعي في صياغتها. وهو ما يثير تساؤلات حول مصداقية النصوص، ومدى وعي محرريها بالمخاطر التي يحذرون منها.
نقاط القوة
- تأكيد الشفافية والإفصاح: خطوة ضرورية لحماية النزاهة الأكاديمية والحد من الانتحال.
- الانسجام مع التوجهات العالمية: الدليل يستند إلى مرجعيات دولية، ما يمنحه وزنًا علميًا ويجعله مواكبًا للتجارب الحديثة.
- تخصيصه للتعليم العالي: على عكس الوثائق الدولية العامة، يركز الدليل على الجامعات والبحث العلمي، ما يجعله أكثر ملاءمة للقطاع الأكاديمي.
التحديات والانتقادات
رغم أهميته، إلا أن الدليل يواجه عدة ثغرات:
- طابعه الإرشادي: يبقى غير مُلزِم، مما قد يقلل من فعاليته في التطبيق العملي.
- غياب آليات القياس: لم يضع مؤشرات أداء واضحة (KPIs) لقياس مدى الالتزام أو النجاح في التطبيق.
- تكرار المفاهيم: يتسم أحيانًا بالتكرار والإطناب، مما قد يصعّب تحويله إلى سياسات تشغيلية قابلة للتنفيذ.
- ضعف التوطين المحلي: رغم الإشارة إلى القوانين الوطنية، إلا أن الدليل لم يتوسع في قضايا اللغة العربية، الفجوة الرقمية بين الجامعات، أو محدودية البنية التحتية التكنولوجية.
- مفارقة الاستخدام: الاعتراف بأن الاستراتيجية نفسها كُتبت جزئيًا باستخدام الذكاء الاصطناعي يطرح تساؤلات حول مدى التزام المجلس بالمبادئ التي يوصي بها.
يمكن القول إن دليل المجلس الأعلى للجامعات لعام 2025 يمثل خطوة مهمة نحو إدماج الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي المصري، ويضع الأسس الأولية لحوكمة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في البحث والتدريس. لكنه سيظل إطارًا نظريًا ما لم يتم دعمه بآليات تنفيذية، مؤشرات قياس واضحة، وتكييف محلي يأخذ بعين الاعتبار واقع الجامعات المصرية وتحدياتها.
كما أن الاعتراف باستخدام الذكاء الاصطناعي في صياغة الدليل نفسه يجعل الوثيقة أكثر إثارة للجدل: هل نحن أمام محاولة جادة لصياغة سياسة وطنية رصينة، أم مجرد نص كتبه الذكاء الاصطناعي عن نفسه ثم صادق عليه البشر؟