
36 جامعة مصرية في تصنيف التايمز العالمي 2026: صعود علمي يعكس تحوّل المنظومة الأكاديمية المصرية
بقلم: ا. د. وائل بدوي
يشهد التعليم العالي والبحث العلمي في مصر عامًا جديدًا من الحضور الدولي المشرف، بعد إعلان إدراج 36 جامعة مصرية ضمن تصنيف التايمز العالمي لعام 2026، وهو الرقم الأعلى في تاريخ مشاركة الجامعات المصرية في هذا التصنيف المرموق، الذي يُعد أحد أبرز المؤشرات العالمية لقياس الأداء الأكاديمي والبحثي للجامعات حول العالم.
هذا الإنجاز لم يأتِ مصادفة، بل نتيجة سياسات حكومية واضحة واستراتيجية تعليمية وطنية جعلت من “المرجعية الدولية” مبدأً أساسيًا في تطوير مؤسسات التعليم العالي. وبهذا التوجه، تحوّل الأداء الأكاديمي من مجرد سباق محلي إلى منافسة عالمية حقيقية، تتسابق فيها الجامعات المصرية على تحقيق مراكز متقدمة في مجالات التعليم، والبحث العلمي، والابتكار، والتعاون الدولي.
🎓
تسع جامعات مصرية بين الألف الأفضل عالميًا
نجحت تسع جامعات مصرية هذا العام في دخول قائمة أفضل ألف جامعة في العالم ضمن تصنيف التايمز، وهي خطوة تُعتبر مؤشّرًا نوعيًا على التحسّن في الأداء الأكاديمي والبحثي.
وقد جاءت الجامعات على النحو التالي:
- الفئة (601–800):
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة
- الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا (E-JUST)
- جامعة كفر الشيخ
- الفئة (801–1000):
- جامعة عين شمس
- جامعة الأزهر
- جامعة الإسكندرية
- جامعة القاهرة
- جامعة المستقبل
- جامعة المنصورة
هذا التوزيع يُبرز التنوع بين الجامعات الحكومية والخاصة والدولية في مصر، ويعكس انتقال المنافسة من كونها “بين جامعات الدولة” إلى منافسة شاملة على مستوى مختلف أنماط التعليم الجامعي.
🏛️
جامعات صاعدة في الفئة (1001–1200)
كما شهد التصنيف إدراج مجموعة واسعة من الجامعات التي تحقق قفزات تدريجية في الأداء البحثي، وهي:
- الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري
- جامعة أسوان
- جامعة بني سويف
- جامعة دمياط
- جامعة الدلتا للعلوم والتكنولوجيا
- جامعة المنيا
- جامعة الوادي الجديد
- جامعة السويس
- جامعة طنطا
- جامعة مدينة السادات
- جامعة الزقازيق
ويُلاحظ أن العديد من هذه الجامعات الإقليمية بدأت تفرض وجودها عالميًا بعد سنوات من العمل على تطوير مراكز البحوث، وزيادة النشر العلمي، والارتباط بالمشروعات القومية التنموية في مجالات الزراعة والطاقة والمياه والبيئة.
🧭
الفئة (1201–1500): جيل جديد من الجامعات المتقدمة
في الفئة التالية من التصنيف (1201–1500) برزت جامعات تمثل طيفًا متنوعًا من مؤسسات التعليم العالي في مصر:
- جامعة أسيوط
- جامعة بنها
- جامعة دمنهور
- جامعة الفيوم
- جامعة المنوفية
- جامعة 6 أكتوبر
- جامعة بورسعيد
- جامعة سوهاج
- جامعة جنوب الوادي
- جامعة قناة السويس
- الجامعة البريطانية في مصر
- مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا
وتُعد هذه الفئة مؤشّرًا قويًا على دخول عدد من الجامعات الأقاليمية والخاصة في مضمار المنافسة العالمية بفضل تطوير برامج الدراسات العليا، وإنشاء مراكز تميز بحثية في الطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، والتقنيات الحيوية.
💡
الفئة (1501+): استمرارية التوسع والانفتاح الأكاديمي
أما الفئة الأخيرة من التصنيف، فقد ضمت جامعات:
- جامعة حلوان
- جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
- جامعة النيل
- جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب
وهذه الجامعات، رغم تصنيفها في فئة 1501+، تمثل جزءًا من منظومة التعليم العالي الحديثة في مصر، التي تجمع بين التجريب الأكاديمي والتوسع في البرامج التطبيقية والشراكات الدولية.
📈
من ثلاث جامعات إلى ست وثلاثين: رحلة عقد من التقدم
يُظهر تتبّع الأرقام أن الحضور المصري في تصنيف التايمز تضاعف أكثر من عشر مرات خلال عقد واحد فقط.
ففي عام 2016 كانت مصر ممثلة بثلاث جامعات فقط، ارتفع العدد إلى 8 جامعات عام 2017، ثم 19 جامعة في 2019، و28 جامعة عام 2024، و35 جامعة في 2025، وصولًا إلى 36 جامعة في 2026 — وهو أكبر عدد منذ انضمام مصر إلى التصنيف.
هذا التوسع لا يُمثل مجرد “زيادة كمية”، بل تطورًا نوعيًا يعكس التزامًا حكوميًا واضحًا بدعم سياسات النشر الدولي، والتدويل الأكاديمي، وتحسين بيئة البحث العلمي.
⚙️
كيف يتم التقييم؟ مؤشرات دقيقة وأرقام واقعية
يعتمد تصنيف التايمز العالمي على 17 مؤشرًا للأداء الأكاديمي تغطي خمسة محاور رئيسية، هي:
- التعليم (بيئة التعلم) بنسبة 29.5%:
يقيس جودة العملية التعليمية، وكفاءة الأساتذة، ومدى دعم الجامعة لطلابها من حيث الإرشاد الأكاديمي والبنية التحتية. - بيئة البحث العلمي بنسبة 29%:
تُقيّم السمعة البحثية والإنتاج العلمي والدخل المخصص للبحث والتطوير. - جودة وتأثير البحوث بنسبة 30%:
تُقاس عبر مدى استشهاد الباحثين الدوليين بالبحوث المصرية وتأثيرها العلمي العالمي. - التوجه الدولي بنسبة 7.5%:
يعكس انفتاح الجامعات المصرية على التعاون الدولي من خلال طلابها الوافدين وشراكاتها الأكاديمية. - الصناعة والابتكار بنسبة 4%:
يُقاس عبر مدى نقل المعرفة من الجامعة إلى الصناعة، وبراءات الاختراع، والمشروعات المشتركة.
هذا النظام الصارم يضمن أن التصنيف لا يقيس “الشهرة” فقط، بل الفاعلية الحقيقية في التعليم والإنتاج العلمي والمعرفي.
🌍
مصر ضمن منظومة التعليم العالمي الجديد
تضم قائمة 2026 نحو 2191 مؤسسة من 115 دولة، ما يجعل وجود 36 جامعة مصرية ضمنها إنجازًا يُظهر مكانة مصر الأكاديمية في الإقليم والعالم.
ويؤكد هذا الحضور أن المنظومة المصرية تجاوزت مرحلة “المحلية”، وصارت جزءًا من المنافسة العالمية في مجالات البحث العلمي والابتكار.
🔬
السر في البنية البحثية وبنك المعرفة
من العوامل الحاسمة في هذا الصعود هو بنك المعرفة المصري (EKB)، الذي أصبح أحد أكبر المنصات البحثية في الشرق الأوسط.
فقد أتاح للباحثين الوصول إلى ملايين الأبحاث والكتب والمجلات العلمية العالمية، مما ساهم في رفع جودة النشر الأكاديمي، وزيادة الاستشهادات البحثية، وتعزيز مكانة الجامعات المصرية في قواعد البيانات الدولية.
📚
استراتيجية الدولة: من الكم إلى الكفاءة
ما يميز التقدم المصري في تصنيف 2026 أنه لم يكن محض توسع عددي، بل ناتج عن تحسن فعلي في مؤشرات الأداء الأكاديمي.
فمن خلال الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي، جرى التركيز على:
- دعم برامج التبادل الدولي وتوأمة الدرجات العلمية مع جامعات أجنبية.
- تشجيع أعضاء هيئة التدريس على النشر في الدوريات الدولية المفهرسة.
- تطوير البنية الرقمية للجامعات وربطها بالمجتمع الصناعي.
- دعم الابتكار وريادة الأعمال كجزء من العملية التعليمية.
هذه الإجراءات جعلت الجامعات المصرية تتحرك من منطق البقاء في التصنيف إلى منطق المنافسة الحقيقية داخله.
🏅
من الجامعات إلى الدولة: انعكاس السياسات الوطنية
تُظهر نتائج التصنيف أن الجهود المبذولة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ليست فقط أكاديمية، بل تنموية أيضًا، لأنها تُسهم في رفع مؤشر الابتكار العالمي ومؤشر المعرفة العالمي لمصر.
وهذا الارتقاء يعزز موقع مصر في التقارير الدولية، مثل مؤشر التنمية المستدامة، ومؤشر جودة التعليم، ومؤشر رأس المال البشري.
🌟
الخلاصة: الجامعات المصرية تدخل العقد الذهبي
ما تحقق في تصنيف التايمز 2026 ليس نهاية الطريق، بل بداية مرحلة جديدة من النضج المؤسسي والمنافسة العلمية الدولية.
فحين تضم القائمة جامعات من الإسكندرية إلى أسوان، ومن القاهرة إلى الوادي الجديد، فهذا يعني أن الخريطة الجامعية المصرية بأكملها بدأت تنتج أثرًا ملموسًا عالميًا.
لقد أصبحت مصر تمتلك منظومة تعليمية بحثية تمتد من الجامعة الأمريكية بالقاهرة ومدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا إلى الجامعات الإقليمية في المنوفية وسوهاج والوادي الجديد.
وكل جامعة — حكومية كانت أو خاصة — باتت تعرف أن الطريق إلى التميز لم يعد في المهرجانات أو الشعارات، بل في النشر، الابتكار، والتطبيق.
وبينما تضع مصر أهدافها الطموحة لرؤية 2030، يمكن القول بثقة إن الجامعات المصرية دخلت أخيرًا العصر الذهبي للعلم والمعرفة،
عصرٌ عنوانه:
“من المحلي إلى العالمي… ومن الكم إلى الكفاءة.”