خبير آثار... مصر كتبت شهادة ميلاد المسيحية بحماية العائلة المقدسة
خبير آثار.. مصر كتبت شهادة ميلاد المسيحية بحماية العائلة المقدسة
كتبت: رباب حرش
أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية أم أرض مصر الطيبة كتبت شهادة ميلاد المسيحية وأنقذت المسيحية من القضاء عليها تمامًا قبل انتشارها بحماية العائلة المقدسة التى لجأت إليها هاربة من ظلم هيرودس بفلسطين كما ساهمت مصر فى انتشار المسيحية فى العالم عن طريق الرهبنة التى انطلقت من صحرائها بسيناء والبحر الأحمر ووادى النطرون
وأوضح الدكتور ريحان أن مصر تحتفل اليوم بعيد قدوم العائلة المقدسة إليها 24 بشنس الموافق 1 يونيو كما جاء فى (ميمر الأنبا زخارياس أسقف سخا) الذى يعود إلى القرن السابع الميلادى وميمر كلمة سريانية تعنى مقال أو سيرة قديس وتحفظ نسخة من الميمر بالمتحف القبطى وأخرى بمكتبة الفاتيكان وضمت العائلة المقدسة 3 أفراد، السيدة العذراء تحمل السيد المسيح طفلًا بمصاحبة القديس يوسف النجار
وقد ظلت العائلة المقدسة بمصر 3 سنوات و11 شهر بحسب بردية نشرتها جامعة كولون الألمانية عام 1997 تعود إلى القرن الرابع والخامس الميلاديين عثر عليها بالفيوم ومحفوظة الآن بإحدى مكتبات جامعة كولون بألمانيا وقد قامت بنشرها باحثة اللغة القبطية جيزا شنكه تحت عنوان: “مصر أعظم أرض في العالم”
وأضاف الدكتور ريحان أن مجىء العائلة المقدسة إلى مصر واقع دينى تاريخى أثرى، وفى تل بسطا كتبت شهادة ميلاد رحلة العائلة المقدسة وهى “بر – باست” القديمة أى معبد باست نسبة إلى المعبودة باستت ويرمزون إليها بالقطة وكانت عاصمة الإقليم الـ18 في مصر القديمة كما كانت عاصمة مصر في عهد الأسرة الـ22 و 23 وأطلق عليها “بوباسطس” فى الفترة البطلمية وإسمها باللغة القبطية “بوبسطة” وقد ذكرت فى الكتاب المقدس باسم ” فيبستة” حزقيال 30:17. ومنها جاء الاسم العربي تل بسطة
وجاء فى القرآن الكريم سورة المؤمنون آية 50 ” وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ” الربوة ذات قرار ومعين هى أرض مصر عند تل بسطة أول موقع استقرت فيه العائلة المقدسة فى الدلتا فهناك أماكن عبرت عليها العائلة المقدسة لمدة ساعات أو يوم واحتفظ أهل هذه المناطق ببركة العبور وهناك أماكن عاشت فيها العائلة المقدسة أيامًا أو شهور، وتفسير قرار معين تعنى أرض خصبة بمياه جارية وبالفعل كانت تل بسطة تقع على فرع النيل البيلوزى الذى يصب عند بيلوزيوم “الفرما” والذى نضب حاليًا ضمن أفرع النيل السبعة الذى تبقى منها رشيد ودمياط
ونوه الدكتور ريحان إلى سبب اختيار العائلة المقدسة لمصر وهو اختيار إلهى طبقًا لما جاء فى الكتاب المقدس (إنجيل متى 2: 13-23) حين ظهر الملاك للقديس يوسف النجار وقال له: قم وخذ الصبى وأمه واهرب إلى أرض مصر، كما أن مصر بلد الأمان استقبلت نبى الله يوسف وإخوته من قبل وعاشوا بمصر آمنين حتى نسل نبى الله موسى فهو موسى بن عمرام بن قاهات بن لاوى بن يعقوب والذى تربى بمصر وتعلم تعليمًا راقيًا حتى خروجه منها
ولفت الدكتور ريحان إلى معرفة مسار الرحلة عن طريق مخطوط للبابا ثيؤفيلس البابا الثالث والعشرين من بطاركة الإسكندرية عام 385م وقد ظهرت له السيدة العذراء وأخبرته بالرحلة المقدسة داخل مصر وهو فى دير المحرق حين أراد أن يقوم بتوسعات فى المكان الذى عاشت فيه ستة أشهر وعشرة أيام والمخطوط محفوظ حاليًا فى دير المحرق وهناك نسخة بمكتبة الفاتيكان باللغة القبطية وله ترجمة إلى السريانية والحبشية والعربية
كما جاءت الرحلة فى كتابات المؤرخ بلاديوس أسقف هيلينوبوليس فى القرن الرابع الميلادى حين زار مصر والمؤرخ سوزومين فى القرن الخامس الميلادى
وفي القرن 15م ذكرها المؤرخ العربى المقريزي في كتابه “المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والأثار” (ج4 ص482) “فسارت أمه مريم به وعمره سنتان على حمار ومعها يوسف النجار حتى قدموا إلى أرض مصر فسكنوها مدة أربع سنين ثم عادوا وعمر المسيح ست سنين”
وذكرت الرحلة أيضًا فى كتابات المؤرخ أبو المكارم فى كتاب تاريخ الكنائس والأديرة عام 925م. والذى كتب عن الأماكن التى زارتها العائلة المقدسة
ورصد الدكتور ريحان مسار الرحلة المعترف بها من قبل بابا روما والإشكاليات الخاصة بها ومسار الرحلة بعد إضافة 3 محطات حيث أشار إلى البداية من رفح، الشيخ زويد، العريش، الفلوسيات، القلس، الفرما، مسطرد، بلبيس، تل بسطة، سمنود، سخا، وادي النطرون، المطرية وعين شمس، الزيتون، حارة زويلة ، مصر القديمة وحصن بابليون، المعادي، سقارة، دير الجرنوس بمغاغة، البهنسا، جبل الطير بسمالوط، الأشمونين بالمنيا، كوم ماريا، تل العمارنة، القوصية، ميرة، الدير المحرّق وفى طريق العودة مرت العائلة المقدسة على جبل أسيوط الغربي “درنكة” إلى مصر القديمة ثم المطرية فالمحمة ومنها إلى سيناء.
وأوضح الدكتور ريحان الإشكاليات الخاصة بهذا المسار وهو استحالة عبور قارب صغير يحمل العائلة المقدسة كما هو مصور فى كل الأيقونات من شمال النيل إلى جنوبه ليسير ضد التيار فلا بد من مركب شراعى كما كان يبحر قدماء المصريين للحج إلى أبيدوس، والإشكالية الثانية استحالة أن يقتربوا من حصن بابليون أثناء قدومهم وهو معقل الرومان فى مصر وإلا لكان قبض عليهم
واختتم الدكتور ريحان بأن حل هذه الإشالية جاء فى كتاب للدكتور حجاجى إبراهيم أستاذ الآثار الإسلامية والقبطية بجامعة طنطا الحاصل على وسام فارس من إيطاليا ” المعقول فى خط سير العائلة المقدسة فى مصر” والذى حقق الرحلة بنفسه وزار كل مواقعها وقد أهدى منه نسخة لقداسة البابا تواضروس الثانى
ويشير فى كتابه إلى وجود طريقين لرحلة العائلة المقدسة، الطريق السرى كان منذ قدومهم من فلسطين حتى وصولهم إلى الدير المحرّق وكانوا يتحركون بسرية تامة خوفًا من أن يلحق بهم جنود هيرودس ويقبضوا عليهم وطريق جهرى بعد موت هيرودس
الرحلة السرية كما حققها الدكتور حجاجى إبراهيم تبدأ من رفح ونفس الطريق بسيناء إلى الفرما فى طريق بعيدًا عن الحامية الرومانية، ثم إلى مسطرد وبلبيس إلى تل بسطا ثم كفر الدير بمنيا القمح بالشرقية حيث البئر الشهير بئر شيشنق وبه حاليًا كنيسة الملاك ميخائيل بمنيا القمح ومنه إلى سخا بكفر الشيخ ومنها إلى نبع الحمراء بوادى النطرون ومنه إلى سمنود بالغربية ثم إلى موقع شبرا الخيمة حاليًا بالقليوبية ثم إلى باسوس ثم مسطرد ثم أون وتضم عين شمس والمطرية ثم المرج “المراجو” ثم اتجهوا إلى طريق الزعفرانة حاليًا إلى موقع دير الأنبا بولا والأنبا أنطونيوس وتفجرت هناك الآبار ثم طريق الشيخ فضل الذى يؤدى إلى محافظة المنيا حاليًا ثم إلى الجرنوس بمغاغة ثم إلى سمالوط وعبروا منها بالمعدية إلى جبل الطير شرق النيل ثم الأشمونيين غرب النيل ثم بئر السحابة أو الصحابة والإسمين صحيحين فمن أسماء السيدة مريم السحابة ثم كوم ماريا إلى دير المحرّق بأسيوط نهاية الرحلة
وبدأت الرحلة العلنية بعد موت هيرودس الملك الذى كان يطلبهم وبدأوا يتحركوا جهرًا بين الناس وقد احتفوا بهم وغنوا لهم الترانيم الشهيرة والاحتفاليات التى سجلت تراث عالمى لامادى باليونسكو عام 2022، ثم اتجهوا إلى “درنكة” بأسيوط ثم أبحروا مع التيار فى نهر النيل من الجنوب إلى الشمال ثم عبروا بالمعدية إلى موقع المعادى حاليًا إلى موقع بئر رومانى يشغله ضريح أبو السعود الجارحى الآن ثم إلى الموقع الذى بنى عليه جامع عمرو بن العاص وبه بئر قديم شربت منه العائلة المقدسة ثم البئر خارج حصن بابليون ثم مغارة أبوسرجة بعد أن زال الخطر من الحامية الرومانية بالحصن بعد موت هيرودس إلى حارة زويلة وبها بئر وصهاريج إلى مسطرد وأون (الحلمية والمطرية وعين شمس) ثم تل بسطة ومنها إلى الفرما ورفح إلى فلسطين