رحلة إلى قبر هوارد كارتر: احترامٌ للعالم الذي أعاد الحياة لملكٍ فرعوني

رحلة إلى قبر هوارد كارتر: احترامٌ للعالم الذي أعاد الحياة لملكٍ فرعوني
كتب ا. د. وائل بدوى
في زحام المدن الأوروبية الحديثة، وتحديدًا في حي “بوتني” الهادئ جنوب غرب لندن، يرقد جسد رجلٍ غيّر مجرى علم الآثار، وأعاد إلى العالم وهج حضارةٍ عمرها آلاف السنين.
هوارد كارتر، عالم الآثار البريطاني، وصاحب أعظم اكتشاف في تاريخ علم المصريات: مقبرة توت عنخ آمون.
حين أعلن في نوفمبر 1922 أنه عثر على المقبرة الملكية شبه الكاملة في وادي الملوك، لم يكن يدرك أن ذلك الحدث سيخلده إلى الأبد.
قال عبارته الشهيرة حين سُئل عما يرى داخل المقبرة:
“أشياء رائعة!”

وكانت كذلك بالفعل… توابيت مذهبة، عرش ملكي، تماثيل، وأسطورة لم تمت رغم مرور أكثر من 3300 عام.
لكن من يتذكر الرجل؟
الكل يعرف توت عنخ آمون.
وجهه الذهبي صار رمزًا عالميًا.
لكن قلة هم من يزورون هوارد كارتر.

قبره بسيط، في مقبرة صغيرة ببوتني، بعيدًا عن الأضواء التي تسلط على المعابد والتماثيل.
ولا تجد الزحام المعتاد الذي يحيط بالمومياوات في المتاحف.

إنها لحظة من الصمت… والامتنان.
وهنا تأتي لفتة نبيلة من صديق وفيّ لمصر،
الدكتور سيمون جونز، الأكاديمي البريطاني المعروف بعشقه للتاريخ المصري،
والذي قرر أن يزور قبر كارتر بنفسه، ليضع وردة احترام على ضريح الرجل الذي فتح أعظم باب إلى الحضارة الفرعونية.

إنها ليست زيارة عابرة، بل شهادة عرفان من محب لمحب.
زيارة كهذه ليست مجرد إحياء لذكرى رجل.
هي اعتراف بفضل العالم أمام الاكتشاف.

هي تذكير بأن وراء كل تمثال أو مقبرة أو لوحة هيروغليفية، هناك عقول نذرت حياتها للتنقيب، للفهم، لإعادة بناء سردية التاريخ.
هوارد كارتر لم يكن أغنى مستكشفي عصره، ولم يكن يحمل أرقى الألقاب، لكنه امتلك شيئًا نادرًا: الإصرار، والخيال، واحترامه العميق لما ينقب عنه.

والمفارقة؟
هوارد كارتر دفن بعيدًا عن أرض الكنانة التي أحبها، ولم يُسمح له أن يُدفن بجوار توت عنخ آمون كما تمنّى.
لكن الأثر لا يُقاس بالمكان، بل بالبصمة.

في الختام،
الوقوف أمام قبر هوارد كارتر هو تذكير بأن التاريخ لا يُكتب فقط بالحروب والمعاهدات، بل أيضًا بالفرشاة الصغيرة التي أزاحت غبار الزمن عن قناعٍ ذهبي.
فإلى روح هوارد كارتر…
وإلى كل من لا يزال يقرأ التاريخ بعين العاشق، مثل الدكتور سيمون جونز…
شكرًا لأنكم تواصلون الحكاية.