دين
أخر الأخبار

من هو الشيخ أحمد خميس محمد سليم بصلة

كتب/ محمد فكري

_________________

وُلد الشيخ أحمد بصلة في الرابع من صفر سنة ١٣٩٩هـ، الموافق الثالث من يناير سنة ١٩٧٩م، بمدينة إدكو بمحافظة البحيرة بمصر. وزاده الله شرفًا على شرفٍ بأن جعله من نسلٍ يتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم من جهة والدته، فكانت بداية نشأته محاطةً بأنوارٍ إيمانيةٍ عابقةٍ، تُهيئه لحمل رسالة القرآن.

شبَّ منذ نعومة أظفاره على حبِّ كتاب الله، فارتبط به ارتباط الروح بالجسد، وامتلأ قلبه شغفًا وحبا بآياته، حتى صار الحلم الأكبر الذي يراوده صباح مساء أن يحفظه كاملًا ويجعل صدره وعاءً له. وكان واعيًا منذ صغره أن الدنيا كلَّها إلى زوال، وأن الكنز الحقيقي الذي لا يَفنى هو كلام الله، وأن الذخر الأعظم الذي يبقى للإنسان في دنياه وأخراه هو القرآن.

ومن هنا مضى بخطواتٍ ثابتة، وعزيمةٍ صلبة، لا يلتفت إلى مغريات الدنيا ولا إلى زخارفها، إذ لم يرَ أجلَّ ولا أعظم من أن يتزيَّن صدره بكلام ربه، ويجعل عمره وقفًا لخدمته وتلاوته وتعليمه.

حياته العلمية وشيوخه الأجلاء.

بدأ الشيخ أحمد بصلة رحلته العلمية بحفظ كتاب الله العزيز وإتقان تجويده، ثم واصل مسيرته فالتحق بمعهد قراءات الإسكندرية، حيث نال شهادة التجويد التي استحقها بجدارة، ليجلس بين يدي نخبة من كبار العلماء والمشايخ الذين كان لهم بصمة لا تُمحى في تكوينه القرآني. ومن أبرزهم الشيخ الجليل محمد إبراهيم السيد، الشهير بـ”محمد سكر”، الذي أكرمه الله بالقراءة عليه عدة ختمات مباركة: ختمة بقراءة عاصم وابن عامر، وأخرى بقراءة يعقوب وأبي عمرو، وثالثة بقراءة قالون وابن كثير وأبي جعفر.

ويصف الشيخ أحمد بصلة لحظة ختمه للقرآن بأنها كانت محطة فارقة لا تُنسى، إذ قال : ” كانت فرحتي يوم ختمت القرآن لا توصف، شعور غامر لا أجد له في الدنيا مثيلاً. أحسست أن كل حرفٍ حفظته صار نبضةً في قلبي، وكل آيةٍ صارت نفسًا يملأ صدري حياةً وطمأنينة. عشت مع القرآن سنواتٍ طويلةً بين حفظٍ ومراجعةٍ وسهرٍ وصبر، حتى جاء اليوم الذي رأيت فيه ثمرة جهدي تتجلى أمام عيني، وكأنني ولدت من جديد.

كانت لحظةً امتزجت فيها دموعي بابتسامتي، شعرت فيها بالسكينة تملأ قلبي، والبهجة ترفرف على روحي، وكأنني أحلق مع كل آية أنطقها. لم تكن مجرد فرحة عابرة، بل كانت انتصارًا على نفسي، وميلادًا جديدًا لعلاقتي بكتاب الله. كل صفحة ختمتها في ذلك اليوم كانت تهمس لي بعظمة الإنجاز وروعة الصبر، وكل كلمة أنهيتها كانت تقول لي: هذا هو الطريق الذي يُرضي الله ويُكرم صاحبه في الدنيا والآخرة.

تلك اللحظة لم تكن نهاية الطريق، بل بداية عمرٍ جديدٍ، شعرت فيه أن حياتي كلها ينبغي أن تُوقف لخدمة القرآن وتعليمه، فهو أعظم كنز، وهو النور الذي لا ينطفئ”.

ولم يكتفِ الشيخ أحمد بصلة بحفظ القرآن وإتقان تجويده، بل اشتعل قلبه شغفًا بالقراءات العشر الكبرى والصغرى، فأخذ يطرق أبوابها بنهمٍ وحرص. قصد الشيخ العلّامة زكريا محمد عبد السلام الجماجموني، عاقدًا العزم على القراءة عليه، غير أن مرض الشيخ الشديد حال دون ذلك. ويروي الشيخ أحمد بإعجاب كبير موقفًا لا يُنسى من تواضع الجماجموني، إذ طلب منه أن يوصله بنفسه بعد أن همّ بالانصراف، على الرغم من مكانته وعلمه. وبعد أربعة أشهر فقط توفي الشيخ زكريا، ولم يتحقق لأحمد بصلة أن يقرأ عليه، فكانت حزنا في قلبه، لكنها لم تُثنِ عزيمته ولم تُضعف همته.

فاتجه بعزمٍ أشد إلى الشيخ الفاضل مصباح إبراهيم الدسوقي، فقرأ عليه ختمة بالقراءات العشر بطريقة التجزئة في بداية الأمر، ثم ألحّ عليه حتى أجازه بختمة أخرى كاملة، فرشاً وأصولاً، بالقراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة. ولم يقف عند حدود التلاوة، بل جمع إلى ذلك إتقان المتون الأصلية: التحفة، والجزرية، والشاطبية، والدرة.

ولمّا اكتمل عُدَّته العلمية وذاق حلاوة القرآن والقراءات، اتخذ قراره المصيري بترك عمله الأصلي، ليتفرغ تفرغًا تامًا لخدمة القرآن وتعليمه، مغروسًا في قلبه رسالة واحدة : أن يزرع حب كتاب الله في قلوب طلابه، وأن يُخرّج جيلاً يعيش مع القرآن كما عاش هو، وينهل من أنواره كما نهل.

أجيالٌ من حملة القرآن: إجازاتٌ تورثُ العلمَ.

أجاز الشيخ أحمد بصلة عدداً كبيراً من الطلاب والطالبات في مختلف القراءات والروايات، مما يدل على جهده وعطائه المتواصل في تعليم القرآن، فهو من العلماء المتواضعين الذين كرسوا حياتهم لنشر النور القرآني، ومن أبرز الذين أجازوا منه:

فخر الدين الهمامي: تلقى عنه القراءات العشر الصغرى.
أحمد القماري: قرأ عليه عاصم وابن عامر وحمزة وقالون وابن كثير وأبو جعفر.
سعاد بنت إبراهيم أنخيلي: تلقت عنه القراءات العشر الصغرى.
هالة عبد الفتاح محمد عبد الرحمن: تلقت عنه عاصم وابن كثير وقالون وورش.
هشام محمد رضا عبد الرازق: تلقى عنه القراءات العشر الصغرى.
فاطمة الزهراء أحمد عبد الله الوزاني: تلقت عنه القراءات العشر الصغرى.
رياض الداودي: قرأ عليه عاصم وابن عامر.
أحمد العوضي: تلقى عنه القراءات العشر الصغرى.
نرمين نادر محمد حماد: قرأت عليه رواية ورش عن نافع.
عماد محمد كمال عبد التواب: قرأ عليه رواية عاصم.
إنعام حسين حسن الشكشوكي: تلقت عنه القراءات العشر الصغرى.
فاطمة خالد سعيد عدوان: قرأت عليه عاصم وابن عامر وقالون وابن كثير وأبو جعفر وورش.
طارق وفاء عباس يوسف: قرأ عليه عاصم وابن عامر.
شيماء عثمان موسى عبده: قرأت عليه عاصم وابن عامر.
هاجر كمال عبد الفتاح: قرأت عليه قراءة عاصم.
أسماء عطية نمير: قرأت عليه عاصم وابن عامر.
منى سيد محمد الضحاوي: قرأت عليه قراءة عاصم.
فاطمة بنت مولاي أحمد بن مولاي إبراهيم: قرأت عليه ورش وقالون.
أمل خليفة شريدة: قرأت عليه عاصم وابن عامر وقالون وابن كثير وأبو جعفر.
خالد عبد المحسن إبراهيم محمد: قرأ عليه عاصم وقالون وابن كثير.
بو شعيب بن أحمد بن عبد السلام العربي: قرأ عليه ابن عامر والكسائي.
نانيس سعيد عبد الله: قرأت عليه قراءة أبو جعفر.
شيماء محمود أحمد حلمي: قرأت عليه رواية حفص عن عاصم.

مؤلفاتٌ تنيرُ المكتبة القرآنية.

أسهم الشيخ أحمد بصلة في إثراء المكتبة الإسلامية بعدة مؤلفات قيمة تعكس عمق علمه واهتمامه بتوثيق علوم القراءات، ومن أبرز هذه المصنفات:

الأنوار البهية في تراجم شيوخ الإقراء بالديار المصرية من بعد ابن الجزري إلى عصرنا الحاضر.
توضيح البيان في متشابهات القرآن.
فريدة الدهر في طبقات قراء مصر.

مسيرةٌ مباركةٌ في خدمة كتاب الله.

يشغل الشيخ أحمد بصلة ويساهم في العديد من المهام لخدمة القرآن وعلومه، فقد عمل في مناصب عدة تؤكد مكانته العلمية والإدارية، فكان:

مديراً لمركز ابن الجزري لضبط وتحقيق الأسانيد القرآنية.
عمل في معهد قرطبة لتعليم القرآن لغير الناطقين باللغة العربية.
عمل في معهد رادينت لتعليم القرآن لغير الناطقين باللغة العربية، ثم معهد إتقان لتعليم القرآن لغير الناطقين باللغة العربية.
عضواً بنقابة قراء مصر.
عمل في ضبط وتحقيق الإجازات القرآنية في مراكز الشيخ أحمد المعصراوي.
عضواً بلجنة التحكيم في معظم المسابقات القرآنية في مدينة إدكو .

خاتمةٌ لمسيرةٍ مباركةٍ.

وهكذا ختم الشيخ أحمد بصلة رحلته مع القرآن، رحلةً لم تكن صفحاتها مجرد حفظ وتجويد، بل كانت حياة كاملة نذرها لله. منذ أن خطا أولى خطواته في دروب الحفظ وهو يحمل همًّا واحدًا: أن يكون القرآن رفيقه في الدنيا وشفيعه في الآخرة. سار ثابت الخطى، وترك عمله الدنيوي ليجعل حياته كلها وقفًا على كتاب الله، تعليماً وإقراءً وغرسًا لحبه في قلوب الناشئة.

كانت مسيرته لوحة مضيئة من الإخلاص والصبر والعزيمة، كل فصل فيها شاهد على أن من عاش للقرآن رفعه الله وأعلى ذكره، وأن السعادة الحقيقية تكمن في خدمة كلام الله. وهكذا يمضي الشيخ أحمد بصلة شاهدًا على أن القرآن حياةٌ لا تنقضي، ونورٌ لا ينطفئ، وأن من اختاره الله ليكون من أهله فقد نال أعظم شرفٍ وأبقى أثر.

تم نسخ الرابط بنجاح!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى