تكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي يكتب عن نفسه في الدليل الاسترشادي لضوابط استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي والبحث العلمي

الذكاء الاصطناعي يكتب عن نفسه في الدليل الاسترشادي لضوابط استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي والبحث العلمي

كتب: أ.د. وائل بدوي

من المثير للانتباه – وربما للسخرية أيضًا – أن الدليل الاسترشادي لضوابط استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي والبحث العلمي، الصادر عن المجلس الأعلى للجامعات في سبتمبر 2025، يعترف صراحة في صفحة 5 بأن إعداد الاستراتيجية تم بالاستعانة بأدوات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب عمل اللجان والخبراء البشريين.

هذه الإشارة ليست مجرد تفصيل تقني عابر، بل تكشف مفارقة جوهرية: الوثيقة التي وضعت لتقييد استخدام الذكاء الاصطناعي، وتحديد حدوده في البحث والتدريس، لجأت فعليًا إلى الذكاء الاصطناعي لصياغتها. وكأن الأداة التي يُفترض ضبطها وفرض القيود عليها، هي نفسها التي أمسكت بالقلم وكتبت القواعد!

مفارقة النص والكاتب

هذا الاعتراف يثير تساؤلات عميقة حول مصداقية النصوص:

  • إذا كان الذكاء الاصطناعي ساهم في كتابة الضوابط، فهل صاغ في الحقيقة قيودًا على نفسه؟
  • وهل يمكن أن نثق في نص يضع القواعد بينما كاتبه جزء من الموضوع محل النقاش؟
  • ثم إلى أي مدى كان دور الإنسان “الخبير” دورًا إشرافيًا حقيقيًا، أم أن الأمر اقتصر على اعتماد نص أنتجته الخوارزميات؟

هنا تبرز معضلة “الحَكم والخصم”: الذكاء الاصطناعي يشارك في صياغة قواعد استخدامه، بينما يفترض أن يلتزم لاحقًا بهذه القواعد.

بين الطموح والرمزية

لا شك أن إشراك الذكاء الاصطناعي في صياغة الدليل يعكس طموحًا تقنيًا من جانب صانعي السياسات، ورغبة في “مواكبة العصر” عبر استخدام نفس الأداة التي يناقشونها. لكنه أيضًا يضعنا أمام إشكالية رمزية: هل نحن أمام سياسة مدروسة بعناية، أم مجرد نص توليدي تم تنسيقه واعتماده بلمسة بشرية؟

فالوثيقة في مضمونها تحذر من الانتحال، وتطالب بالشفافية والإفصاح، وتؤكد على ضرورة بقاء الإنسان المسؤول الأول عن المخرجات العلمية. لكن بمجرد أن نعترف بأن النص نفسه صيغ جزئيًا بالذكاء الاصطناعي، يظهر التناقض بين المبدأ والممارسة.

دروس ودلالات

يمكن قراءة هذه المفارقة من زاويتين:

  1. إيجابية: ربما يعكس ذلك قناعة بأن الذكاء الاصطناعي أداة لا غنى عنها، حتى في وضع سياسات استخدامه، ما دام تحت إشراف بشري واعٍ.
  2. سلبية: قد يكشف الأمر عن تسرع أو سطحية في إنتاج الوثائق الرسمية، بحيث تتحول النصوص إلى مجرد صدى لتوصيات عامة صاغتها خوارزميات مدربة على النصوص الدولية.

وفي الحالتين، تبقى الحقيقة أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة داخل القاعات الدراسية أو المختبرات البحثية، بل أصبح شريكًا في صياغة السياسات واللوائح التي ستنظم مستقبله.

الذكاء الاصطناعي يكتب عن نفسه في الدليل الاسترشادي لضوابط استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي والبحث العلمي
الذكاء الاصطناعي يكتب عن نفسه في الدليل الاسترشادي لضوابط استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي والبحث العلمي

إن الاعتراف باستخدام الذكاء الاصطناعي في كتابة الدليل الاسترشادي يفتح بابًا واسعًا للنقاش: هل يضيف ذلك شرعية تقنية للوثيقة باعتبارها ناتجًا عن “تجربة عملية” مع الأداة؟ أم أنه يُضعف من مصداقيتها لأنه يخلط بين المشرّع والموضوع؟

في النهاية، يبدو أن الذكاء الاصطناعي لم يعد ينتظر إذنًا ليُستخدم في الجامعات، بل سبق الجميع وكتب عن نفسه… تاركًا لنا نحن البشر مهمة شاقة: كيف نضمن أن تظل الكلمة الأخيرة للعقل الإنساني، لا للآلة.

تم نسخ الرابط بنجاح!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى