تكنولوجيا

الاحتلال العصبي… كيف تُخترق العقول وتقاوم بالرمز؟

الاحتلال العصبي… كيف تُخترق العقول وتقاوم بالرمز؟


بقلم: أ.د. أبوالعلا عطيفي حسنين – أستاذ بكلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي – جامعة القاهرة

لم تعد السيطرة على الشعوب في زمن التكنولوجيا الحديثة تقتصر على القوة العسكرية أو الهيمنة الاقتصادية. نحن اليوم أمام ساحة صراع جديدة، أخطرها أن ميدانها هو عقولنا ووعينا الجمعي. في عصر “النيروجيكو” – حيث تتشابك التكنولوجيا العصبية مع الذكاء الاصطناعي – باتت أدوات الاحتلال ناعمة، لكنها شديدة التأثير، تخترق الوعي عبر الخوارزميات، والمحتوى الموجه، والرموز التي تعيد تشكيل تصوراتنا عن العالم من حولنا.

تزييف العقول قبل الحقائق

خذ مثلًا فيديوهات “التزييف العميق” (Deepfake) التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يمكن أن ترى شخصية عامة تدلي بتصريحات مثيرة للجدل… وهي لم تقلها قط. في مصر، شاهدنا مؤخرًا فيديو مفبرك نُسب إلى شيخ الأزهر، هدفه إثارة الرأي العام وزرع الشكوك.

فقاعات معرفية وعزلة فكرية

الخطر لا يتوقف عند حدود الأخبار الكاذبة، بل يمتد إلى آلية عمل المنصات الرقمية نفسها. خوارزميات مواقع التواصل تُغذّي كل مستخدم بمحتوى يتماشى مع قناعاته المسبقة، فتُنشئ “فقاعة معرفية” تحاصره داخل عالم ضيق، وتمنعه من الاطلاع على وجهات نظر مختلفة.

الألعاب والإعلانات… رسائل مغلفة بالمتعة

حتى الألعاب الإلكترونية، التي تبدو بريئة، قد تُزرع بداخلها رموز ثقافية أو سياسية توجه وعي الأطفال والمراهقين، وتعيد صياغة تصوراتهم عن “العدو” أو “البطل”. كذلك، تلعب الإعلانات التجارية دورًا في إعادة تعريف مفاهيم النجاح والقبول الاجتماعي، وربطها باستهلاك منتج معين. وفي أحيان أخرى، يُعاد توظيف الرموز الوطنية أو الدينية في سياقات تجارية، فتُفرغ من معانيها الأصيلة.

الميمز والنكات… سلاح التوجيه الخفي

الأمر لا يتوقف عند الإعلام التقليدي أو الإعلانات، بل يمتد إلى “الميمز” والنكات والقصص اليومية التي يشاركها المؤثرون على السوشيال ميديا، حيث يمكن تمرير رسائل سياسية أو اجتماعية في قالب ترفيهي خفيف، فيتلقاها الجمهور بلا مقاومة تُذكر.

الرمز… أداة اختراق وأداة مقاومة

الخطير أن هذه الرموز والصور والسرديات اليومية لا تأتي كرسائل مباشرة، بل تتسلل تدريجيًا، فتؤثر على اللاوعي قبل الوعي. لكن الرمز نفسه يمكن أن يكون أداة مقاومة؛ عبر الفن، واللغة، والسرديات البديلة، يمكن إعادة بناء الوعي، وتفكيك الخطاب الموجه، وتحويل أدوات التأثير إلى أدوات تحرر.

المعركة تبدأ بالوعي

مواجهة “الاحتلال العصبي” تبدأ بالوعي به، وبتعلم قراءة الرموز وفهم الرسائل الخفية وراءها، بدلًا من استهلاكها بلا نقد. إنها معركة على عقولنا قبل أن تكون على أرضنا، والمنتصر فيها سيكون من يملك القدرة على التفكير النقدي، وإعادة صياغة رموزه الثقافية بنفسه.

تم نسخ الرابط بنجاح!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى