سـورا.. التطبيق الذي تجاوز ChatGPT في أسبوع وأشعل معركة جديدة بين الإبداع والملكية الفكرية

كتب ا د وائل بدوى
في أقل من خمسة أيام فقط، استطاع تطبيق “سورا” (Sora) من شركة OpenAI أن يتجاوز حاجز مليون تحميل، محققًا بذلك رقمًا قياسيًا أسرع من التطبيق الأشهر ChatGPT عند إطلاقه.
التطبيق الجديد، الذي يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحويل النصوص إلى فيديوهات قصيرة واقعية، أحدث ضجة عالمية — ليس فقط بسبب قدراته المذهلة في إنشاء مشاهد تبدو حقيقية من أوامر كتابية بسيطة، بل أيضًا بسبب ما أثاره من قضايا أخلاقية وقانونية عاصفة تتعلق بالحقوق الفكرية وصور المشاهير الراحلين.
ما هو تطبيق “سورا”؟
يُعد Sora أحدث تجارب OpenAI في توسيع نطاق تطبيقات الذكاء الاصطناعي من النص والصورة إلى الفيديو الواقعي.
التطبيق يتيح للمستخدم كتابة جملة مثل:
“طفلة تركض على شاطئ البحر وقت الغروب”،
فيقوم النظام خلال ثوانٍ بإنتاج مقطع فيديو واقعي مدته 10 ثوانٍ يطابق الوصف حرفيًا، مع دقة في التفاصيل وتفاعل في الحركة والإضاءة يصعب تصديقه.
ورغم أن التطبيق لا يزال في نسخته التجريبية ومتاحًا فقط في أمريكا الشمالية عبر الدعوات، إلا أنه تصدّر متاجر التطبيقات في الولايات المتحدة متجاوزًا تطبيقات عملاقة مثل TikTok وInstagram Reels خلال أيام معدودة.
مدير المشروع في OpenAI، بيل بيبلز (Bill Peebles)، وصف هذه الانطلاقة بأنها “نمو متسارع غير مسبوق”، مؤكدًا أن Sora قد يمثل المرحلة التالية في تطور صناعة المحتوى البصري، حيث يستطيع أي شخص أن يصبح مخرجًا دون كاميرا أو طاقم تصوير أو خبرة فنية.
بين الإبداع والابتذال: عندما يبعث الذكاء الاصطناعي الموتى
لكن سرعان ما تحولت موجة الإعجاب إلى عاصفة من الجدل الأخلاقي.
فقد امتلأت منصات التواصل بآلاف الفيديوهات التي أنشأها المستخدمون عبر Sora، بعضها يصور مشاهير راحلين مثل مايكل جاكسون وتوباك شاكور وروبن ويليامز في مشاهد جديدة تمامًا لم تحدث في الواقع.
الأمر بلغ حدًّا جعل زيلدا ويليامز، ابنة الممثل الراحل روبن ويليامز، تُناشد المستخدمين التوقف عن إرسال فيديوهات مزيفة تُظهر والدها بعد وفاته.
وقالت في تصريح مؤثر:
“أبي كان فنانًا لا يُقدّر بثمن، وهذه المقاطع لا تُعيده إلينا، بل تجرّده من إنسانيته”.
هذا النداء لقي صدى واسعًا، وأثار سؤالًا جوهريًا:
هل من المقبول استخدام الذكاء الاصطناعي لإعادة إنتاج وجوه وأصوات الراحلين لأغراض ترفيهية أو فنية؟
أم أن ذلك يمثل انتهاكًا صارخًا لحرمة الإنسان وحقوق أسرته؟
معركة الملكية الفكرية: من الفن إلى القضاء
لم يتوقف الجدل عند المشاهير، بل امتد إلى حقوق الشركات والمنتجات الثقافية.
فقد تداول مستخدمو الإنترنت فيديوهات أنشأها Sora تُظهر شخصيات من ألعاب مثل بوكيمون، إحداها يظهر فيها سام ألتمان — الرئيس التنفيذي لـ OpenAI — وهو يقول ساخرًا:
“أتمنى أن نينتندو ما ترفعش علينا قضية.”
وفي مقطع آخر أكثر غرابة، يظهر “ألتمان” الافتراضي وهو “يأكل بيكاتشو”!
هذه المقاطع، رغم كونها فكاهية، كشفت مدى هشاشة الحدود بين الإبداع الحر والتعدي على حقوق الملكية الفكرية.
ورغم أن شركة نينتندو لم تعلن بعد عن أي تحرك قانوني، فإن سابقة قريبة أثارت القلق:
شركة Anthropic، وهي واحدة من المنافسين الكبار لـ OpenAI، اضطرت مؤخرًا إلى دفع 1.5 مليار دولار لتسوية دعوى قضائية رفعها مؤلفون اتهموها بسرقة أعمالهم لاستخدامها في تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي.
وبذلك بات واضحًا أن “سورا” قد يفتح جبهة قانونية جديدة — بين حرية التعبير وحقوق المبدعين، وبين الابتكار التقني والسرقة الرقمية.
موقف OpenAI: توازن هش بين الحرية والمسؤولية
في محاولة لتهدئة العاصفة، صرّح متحدث باسم OpenAI لموقع Axios الأمريكي بأن الشركة “تدرك وجود مصالح حقيقية في حرية التعبير تسمح باستخدام صور الشخصيات التاريخية”.
لكن المتحدث أضاف أن “الأشخاص الذين توفوا مؤخرًا يمكن لعائلاتهم أو ممثليهم القانونيين أن يطلبوا منع استخدام صورهم”.
مع ذلك، لم توضّح الشركة ما هو المقصود تحديدًا بـ“مؤخرًا”، مما أثار المزيد من الغموض.
وفي تدوينة حديثة بتاريخ 4 أكتوبر 2025، كتب سام ألتمان:
“نحن نتعلم بسرعة من الطريقة التي يستخدم بها الناس Sora، ونعمل على تحسين آلياتنا بالتعاون مع المبدعين وأصحاب الحقوق.”
وأشار إلى أن الشركة تعمل على تطوير أدوات تمكّن أصحاب الحقوق من التحكم الدقيق في كيفية استخدام صور شخصياتهم أو أعمالهم، مع وعد بإطلاق نظام لمشاركة الأرباح مستقبلاً بين OpenAI والمبدعين الأصليين.
إلا أن الكثيرين لا يرون ذلك كافيًا، معتبرين أن التقنيات تتقدم أسرع من التشريعات، وأن شركات الذكاء الاصطناعي تسعى دائمًا إلى تحقيق الانتشار أولًا ثم التفكير في المسؤولية لاحقًا.
بين الإعجاب والخطر: سحر الصورة وسرعة العدوى
المفارقة أن نجاح Sora الساحق لم يكن في مختبرات التقنية، بل في فضاء السوشيال ميديا.
فخلال أسبوع واحد، امتلأت المنصات بمقاطع مذهلة — بعضها يروي قصصًا خيالية مصوّرة، وبعضها يسخر من السياسيين والمشاهير، وبعضها يستخدم لأغراض تعليمية أو دعائية.
لكن هذا الانتشار السريع جعل من الصعب تمييز الحقيقة من الزيف،
فكيف يمكن للمشاهد العادي أن يعرف إن كان ما يراه تصويرًا حقيقيًا أم منتجًا خياليًا؟
لقد أصبحت مقاطع الفيديو نفسها، التي كانت تُعتبر دليلًا قاطعًا في الإعلام والقضاء، قابلة للتلاعب بدرجة مخيفة.
وهذا يطرح سؤالًا وجوديًا جديدًا:
“في عصر الكوانتم والذكاء الاصطناعي… هل يمكننا بعد الآن أن نثق في أعيننا؟”
من ChatGPT إلى Sora: وجه جديد لثورة OpenAI
النجاح السريع لـ Sora يعيد إلى الأذهان انطلاقة ChatGPT عام 2022، حين غيّر العالم مفهوم التفاعل مع الذكاء الاصطناعي.
لكن الفرق الجوهري هو أن ChatGPT كان نصًا يُقرأ، بينما Sora أصبح صورة تُرى —
والصورة دائمًا أقوى تأثيرًا، وأسرع انتشارًا، وأخطر في تشكيل الرأي العام.
إذا كان ChatGPT قد حرّك عالم الكتابة والتعليم، فإن Sora يُتوقع أن يحرّك عالم السينما، والإعلانات، والإعلام، والفن الرقمي بالكامل.
لكن السؤال الذي لا يزال مطروحًا هو:
هل نحن مستعدون أخلاقيًا وتشريعيًا لاستقبال هذا المستقبل؟
ما بعد المليون تحميل: من الانبهار إلى المساءلة
التحول من الانبهار إلى القلق حدث بسرعة خاطفة.
فبينما يُشيد المستخدمون بقدرات التطبيق الإبداعية، بدأ الحقوقيون والمبدعون يطالبون بحدود واضحة تمنع استخدام الذكاء الاصطناعي لتزييف التاريخ أو العبث بالرموز الثقافية.
وربما تكون المرحلة القادمة حاسمة في تحديد موقع الذكاء الاصطناعي في الثقافة البشرية:
هل سيصبح شريكًا في الإبداع أم منافسًا قاتلًا للفنان الحقيقي؟
هل ستتعايش السينما والفن والموسيقى مع هذه الأدوات الجديدة، أم سنشهد انهيارًا للنظام التقليدي للإنتاج الفني؟
بين الضوء والظل
تطبيق Sora ليس مجرد إنجاز تقني آخر، بل تجسيد لمعضلة العصر الرقمي:
كيف نوازن بين حرية الابتكار وحماية الكرامة الإنسانية؟
كيف نحافظ على حقوق المبدعين دون أن نكبح الخيال؟
في أقل من أسبوع، أعاد Sora طرح أسئلة كبرى لم يجد العالم إجاباتها بعد:
- من يملك الصورة بعد أن يصنعها الذكاء الاصطناعي؟
- هل يمكن للفن أن يبقى “إنسانيًا” في عالم تُعيد فيه الخوارزميات تشكيل الوجوه والمشاعر؟
- ومتى نبدأ التعامل مع الذكاء الاصطناعي لا كأداة، بل كقوة ثقافية تحتاج إلى أخلاق وتشريعات جديدة؟
ربما يكون ما قاله أحد الباحثين في جامعة ستانفورد هو الخلاصة الأصدق:
“الذكاء الاصطناعي لا يسرق الفن… بل يذكّرنا كم كنا نغفل عن تعريف الفن نفسه.”
وفي النهاية، سواء أحببنا Sora أو خفنا منه،
فهو بلا شك أول فيلم حقيقي من إنتاج المستقبل.