مصر على أعتاب عصر الذكاء الاصطناعي:تقرير تقييم جاهزية مصر للذكاء الاصطناعي 2025 الصادر عن مكتب اليونسكو بالقاهرة

مصر على أعتاب عصر الذكاء الاصطناعي:تقرير تقييم جاهزية مصر للذكاء الاصطناعي 2025 الصادر عن مكتب اليونسكو بالقاهرة
مقدمة
دخلت مصر مرحلة جديدة في رحلتها نحو التحول الرقمي مع صدور تقرير تقييم جاهزية مصر للذكاء الاصطناعي 2025 الذي أعدته اليونسكو بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. التقرير يضع بين أيدينا خريطة طريق شاملة تُبرز حجم التقدم الذي أحرزته الدولة، وتحدد الثغرات والتحديات التي ما زالت تحتاج إلى معالجة لضمان تطوير بيئة رقمية آمنة، شفافة، وشاملة.
إنجازات بارزة
خلال السنوات الأخيرة، استطاعت مصر أن تتبوأ موقعاً ريادياً على مستوى القارة الإفريقية. فقد احتلت المرتبة الأولى في إفريقيا والسابعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤشر جاهزية الحكومات للذكاء الاصطناعي لعام 2024، بعد أن قفزت من المرتبة 111 عالمياً عام 2019 إلى المرتبة 65 عالمياً عام 2024 .
هذا التقدم لم يأت من فراغ، بل استند إلى جملة من الإنجازات، منها:
- إصدار الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي (الإصدار الثاني 2025–2030) التي تتضمن ستة أهداف استراتيجية، من أبرزها بناء منظومة حوكمة للذكاء الاصطناعي، تعزيز البنية التحتية السحابية، وتطوير الكفاءات المحلية.
- إقرار قانون حماية البيانات الشخصية رقم 151 لسنة 2020، وإنشاء المركز القومي لحماية البيانات الشخصية.
- إطلاق الميثاق المصري للذكاء الاصطناعي المسؤول عام 2023، الذي يؤكد قيم الشفافية، المساءلة، والأمن.
- توسيع البنية التحتية الرقمية عبر مدّ أكثر من 6 آلاف كيلومتر من الألياف الضوئية وربط 1458 قرية بشبكة الإنترنت.
أبعاد اجتماعية وثقافية
رغم هذا التقدم، يكشف التقرير عن تحديات اجتماعية وثقافية مهمة. فالفجوة الرقمية لا تزال قائمة: نسبة استخدام الإنترنت تبلغ 81% في المدن مقابل 68% في الريف، بينما تظهر الفجوة بين الجنسين بوضوح مع 79.3% من الرجال مقابل 65.2% من النساء .
الحكومة أطلقت عدة مبادرات لسد هذه الفجوة مثل برنامج قدوة-تك لتمكين المرأة رقمياً، ومبادرة هي رائدة لدعم رائدات الأعمال في قطاع التكنولوجيا. كما ساهمت مبادرة “حياة كريمة” في إدخال خدمات الإنترنت والبنية التحتية الرقمية إلى القرى الأكثر احتياجاً.
البعد العلمي والتعليمي
التقرير يشير إلى أن مصر بدأت خطوات رائدة نحو دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم، حيث صدر قرار جمهوري بإدخال مناهج الذكاء الاصطناعي بدءاً من المرحلة الابتدائية. كما تم تدريب مئات الآلاف من الطلاب والخريجين على المهارات الرقمية والذكاء الاصطناعي.
ورغم ذلك، فإن الفجوة بين الجنسين في التعليم STEM ما زالت قائمة؛ إذ تبلغ نسبة الطالبات الملتحقات بهذه البرامج 7.73% فقط مقابل 15.3% من الطلاب .
البنية القانونية والتنظيمية
من الناحية القانونية، يُعد غياب قانون شامل للذكاء الاصطناعي أبرز الثغرات الحالية. فرغم وجود تشريعات مهمة مثل قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية (2018) وقانون حماية البيانات الشخصية (2020)، إلا أن هذه الأطر لا تكفي لمعالجة تحديات الذكاء الاصطناعي، مثل التحيز الخوارزمي أو المساءلة عن القرارات الآلية.
الحكومة تعمل حالياً على إعداد مسودة قانون للذكاء الاصطناعي، يقوم على مبدأ التنظيم التحفيزي وليس العقابي، مع تصنيف التطبيقات إلى محظورة، عالية المخاطر، ومنخفضة المخاطر .
الاقتصاد وسوق العمل
الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة كبيرة لدعم الاقتصاد المصري، خاصة في قطاعات مثل الصحة، الزراعة، والنقل. لكن التقرير يحذر من فجوة المهارات الرقمية، حيث يشكل العاملون ذوو المهارات الرقمية 1.9% فقط من إجمالي القوة العاملة .
ولذلك، يدعو التقرير إلى وضع برامج تدريبية متخصصة، وتشجيع الشركات الناشئة، وتوسيع الاستثمارات في رأس المال البشري.
التوصيات المستقبلية
خلص التقرير إلى مجموعة من التوصيات أبرزها:
- الإسراع في إصدار قانون وطني شامل للذكاء الاصطناعي.
- تطوير استراتيجية وطنية لتصنيف البيانات وتبني قانون واضح للحق في الحصول على المعلومات.
- توحيد البرامج التدريبية تحت مظلة وطنية لضمان الاتساق والجودة.
- الاستثمار في الحوسبة السحابية والقدرات الوطنية لمعالجة البيانات الضخمة.
- تعزيز الشفافية والمساءلة في شراء وتطبيق أنظمة الذكاء الاصطناعي داخل القطاع العام.
خاتمة
يؤكد التقرير أن مصر تقف عند نقطة تحول تاريخية، حيث تجمع بين البنية التحتية الرقمية المتنامية، الإرادة السياسية، والوعي المتزايد بأهمية الحوكمة الأخلاقية للذكاء الاصطناعي. غير أن المستقبل يتطلب عملاً مضاعفاً لإرساء أطر قانونية ومؤسسية متكاملة، وضمان أن التحول الرقمي لا يقتصر على النخب بل يمتد ليشمل كل مواطن في الريف والحضر، رجلاً كان أو امرأة.
بهذا فقط يمكن لمصر أن تتحول إلى مركز إقليمي للذكاء الاصطناعي يخدم التنمية المستدامة، ويجعل التكنولوجيا أداة للعدالة والابتكار، لا مصدراً للتمييز أو التفاوت.
هل ترغب أن أجعل المقال مكتوباً بأسلوب صحفي أكثر تبسيطاً للجمهور العام، أم تفضله تحليلياً معمقاً كما هو الآن ليكون أقرب إلى مقال رأي موسع؟