البيانات المفتوحة والذكاء الاصطناعي: مصر تدخل معركة الشفافية الرقمية

البيانات المفتوحة والذكاء الاصطناعي: مصر تدخل معركة الشفافية الرقمية
بقلم: ا د وائل بدوى
في السنوات الأخيرة أصبحت البيانات هي النفط الجديد. لم تعد ثروات الدول تقاس فقط بما تملكه من حقول غاز أو معادن نادرة، بل بما تستطيع أن توفره من بيانات دقيقة وشفافة تدعم الاقتصاد، وتبني الثقة بين الدولة والمجتمع.
في هذا السياق أصدرت مصر في اغسطس 2025 سياسة البيانات المفتوحة، وهي خطوة جريئة تهدف إلى جعل المعلومات الحكومية متاحة للمواطنين والباحثين ورواد الأعمال. الفكرة بسيطة: إذا حصل الناس على البيانات بشكل مفتوح، يمكن أن يستخدموها في ابتكار تطبيقات، تطوير خدمات، أو حتى مراقبة أداء الحكومة.
لكن ما يبدو بسيطًا يخفي وراءه تحديات معقدة. فمع صعود الذكاء الاصطناعي، أصبحت البيانات المفتوحة سلاحًا ذا حدين. فهي من ناحية تتيح فرصًا هائلة للاقتصاد الرقمي، ومن ناحية أخرى قد تفتح الباب أمام انتهاك الخصوصية أو سوء الاستخدام. تجربة دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والهند والاتحاد الأوروبي تبيّن أن الشفافية تحتاج إلى قوانين قوية ومؤسسات مستقلة تضمن أن الانفتاح لا يتحول إلى فوضى.
السياسة المصرية وضعت مبادئ واضحة: البيانات يجب أن تكون محدثة، سهلة الوصول، وباللغتين العربية والإنجليزية. كما أنها أكدت على دور المجتمع من خلال تنظيم “هاكاثونات” ومسابقات تقنية لتشجيع الشباب على استخدام البيانات في خدمة المجتمع. هذه خطوة مهمة، خاصة في بلد يضم ملايين من المبرمجين والطلاب ورواد الأعمال الباحثين عن فرصة.
مع ذلك، تبقى هناك ثغرات. السياسة ما زالت “انتقالية” بانتظار قانون حوكمة البيانات، وهذا يعني أن الاستمرارية ليست مضمونة. أيضًا السماح بفرض رسوم على بعض قواعد البيانات قد يضعف مبدأ المساواة، ويجعل البيانات متاحة للأغنياء أكثر من الفقراء.
الأخطر أن البيانات المفتوحة قد تستخدم لتدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي بطرق قد تضر المواطن نفسه. تخيل أن بيانات عن الصحة أو التعليم يتم استخدامها بشكل غير مسؤول في أنظمة تصنيف أو تقييم تؤدي إلى تمييز اجتماعي أو اقتصادي. هذا ما يسميه الباحثون “الاستعمار الرقمي”، حيث تستفيد الشركات الكبرى من بيانات الدول النامية دون أن يعود ذلك بالنفع العادل على شعوبها.
إذن، مصر أمام فرصة ذهبية. إذا تم تنفيذ هذه السياسة بحكمة، يمكن أن تصبح نموذجًا لدول المنطقة في ربط الشفافية بالابتكار. لكن النجاح لن يتحقق إلا بوجود توازن دقيق بين الانفتاح والحماية: بين حق المواطن في المعرفة، وحقه في الخصوصية والأمان.
في النهاية، المعركة ليست تقنية فقط، بل أخلاقية وسياسية. السؤال الجوهري هو: من يملك البيانات؟ ومن يقرر كيف تُستخدم؟ وإذا كان النفط قد أشعل حروب القرن العشرين، فهل تكون البيانات وقود صراعات القرن الحادي والعشرين أم جسرًا للتنمية المشتركة؟