تكنولوجيا

“لحظة أوبنهايمر”.. واستخدام الذكاء الاصطناعي في الإرهاب

“لحظة أوبنهايمر”.. واستخدام الذكاء الاصطناعي في الإرهاب
كتب د. وائل بدوى
عندما رأى روبرت أوبنهايمر أول اختبار للقنبلة الذرية في صحراء نيو مكسيكو عام 1945، همس بكلمات من “البهاجافاد جيتا”:
“أنا أصبحت الموت، مدمر العوالم.”
كانت تلك لحظة الإدراك المروّع، حيث فهم أوبنهايمر أنه أطلق قوة لا يمكن السيطرة عليها بالكامل، وأن إرثه العلمي قد يتحول إلى سلاح يهدد الوجود نفسه.

واليوم، بعد ما يقرب من ثمانين عامًا، يقف العالم على أعتاب “لحظة أوبنهايمر” جديدة، لكن هذه المرة ليس مع الفيزياء النووية، بل مع الذكاء الاصطناعي (AI). لقد دخل الذكاء الاصطناعي كل مجالات الحياة تقريبًا، من الطب إلى الأعمال، ومن الترفيه إلى الأمن، لكن السؤال الأكثر رعبًا: ماذا لو استخدم في الإرهاب؟

الذكاء الاصطناعي.. من الأداة إلى السلاح

في العقود الماضية، كان الإرهاب يعتمد على استراتيجيات تقليدية مثل العمليات الانتحارية، الهجمات المسلحة، أو التفجيرات. لكن مع تطور التكنولوجيا، بدأ الإرهاب يتكيف معها بطرق أكثر تعقيدًا. الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة، بل يمكن أن يصبح سلاحًا فتاكًا بيد من يعرف كيف يستغله.

1- الطائرات المسيّرة والروبوتات الهجومية

لم يعد استخدام الطائرات المسيّرة (Drones) حكرًا على الدول، بل أصبح في متناول الجماعات الإرهابية. يمكن برمجة الطائرات المسيّرة باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحديد الأهداف تلقائيًا، والتحرك دون الحاجة إلى إشراف بشري مباشر، مما يجعل اعتراضها أكثر صعوبة.

2- التزييف العميق (Deepfake) والبروباغندا الرقمية

التزييف العميق أصبح أداة قوية في يد الإرهاب السيبراني. من خلال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، يمكن تزوير خطابات لقادة سياسيين، أو إنشاء فيديوهات دعائية مزيفة لتحريض الجماهير، أو حتى تلفيق أدلة جنائية ضد الأبرياء. في عصر المعلومات، الحرب لم تعد تُخاض فقط بالسلاح، بل بالمعلومات المضللة.

3- الهجمات الإلكترونية باستخدام الذكاء الاصطناعي
• تخيل فيروسًا إلكترونيًا يتعلم كيف يهاجم أنظمة الحماية ويطوّر نفسه تلقائيًا.
• أو تخيل برمجيات خبيثة مدعومة بالذكاء الاصطناعي تستهدف البنية التحتية لدولة بالكامل، من شبكات الكهرباء إلى أنظمة التحكم في المفاعلات النووية.
• أو حتى روبوتات محادثة (Chatbots) مصممة لغسل العقول ونشر الفكر المتطرف بأساليب ذكية تتكيف مع عقلية الضحية المحتملة.

4- الأسلحة المستقلة القاتلة (Killer AI)

الذكاء الاصطناعي يتيح إمكانية تطوير روبوتات هجومية مستقلة، قادرة على اتخاذ قرارات القتل دون تدخل بشري. هذه ليست حبكة لأفلام الخيال العلمي، بل حقيقة تعمل عليها بعض الدول. والخطر الأكبر أن تقنية كهذه قد تقع في الأيدي الخطأ، فتتحول من أداة للدفاع إلى أداة للإبادة.

هل العالم مستعد لهذه اللحظة؟

كما وقف أوبنهايمر أمام اختراعه مدركًا العواقب الوخيمة، يقف العلماء والمفكرون اليوم أمام الذكاء الاصطناعي بنفس القلق. الفرق أن القنبلة النووية ظلت تحت سيطرة الدول، أما الذكاء الاصطناعي فهو متاح للجميع، مما يجعله أكثر خطورة إذا لم يتم تنظيمه.

كيف يمكن مواجهة هذا الخطر؟
1. وضع قوانين دولية صارمة تحظر تطوير أسلحة الذكاء الاصطناعي المستقلة، مثلما حدث مع الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.
2. مراقبة الذكاء الاصطناعي في الفضاء الإلكتروني لمنع استخدامه في الإرهاب السيبراني والتضليل الإعلامي.
3. تطوير أنظمة مضادة تعتمد على الذكاء الاصطناعي نفسه لاكتشاف ومنع الهجمات المحتملة.
4. تعزيز التعاون الدولي بين الحكومات وشركات التكنولوجيا لمراقبة استخدامات الذكاء الاصطناعي ومنع إساءة استخدامه.

خاتمة: بين الإنقاذ والدمار

الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أعظم أداة في تاريخ البشرية، لكنه قد يصبح أيضًا أعظم تهديد إن وقع في الأيدي الخطأ. تمامًا كما كانت القنبلة النووية لحظة فاصلة في التاريخ، فإننا نعيش الآن لحظة أوبنهايمر الجديدة، لحظة قد تحدد ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سينقذ العالم أم سيدمره.

السؤال الأهم: هل سنتصرف بحكمة قبل فوات الأوان، أم أننا سنتذكر هذه اللحظة عندما يصبح الوقت قد فات؟

تم نسخ الرابط بنجاح!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى