إصدار تقرير الذكاء الاصطناعي التوليدي من سدايا: رؤية وطنية لاستشراف المستقبل الرقمي

إصدار تقرير الذكاء الاصطناعي التوليدي من سدايا: رؤية وطنية لاستشراف المستقبل الرقمي
كتب د. وائل بدوى
في ظل التحولات الرقمية الكبرى التي يشهدها العالم، تأتي المملكة العربية السعودية كأحد أبرز الفاعلين الإقليميين في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي، مستندةً إلى رؤيتها الطموحة 2030 التي تسعى إلى بناء اقتصاد معرفي متقدم. وفي خطوة استراتيجية تعكس هذا التوجه، أصدرت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) تقريرًا متخصصًا وشاملًا عن الذكاء الاصطناعي التوليدي، يُعد الأول من نوعه على مستوى العالم العربي، ويهدف إلى رفع الوعي، وتحليل الواقع، وتقديم توصيات عملية لاستثمار هذه التقنية المتقدمة في خدمة التنمية والحوكمة والابتكار.
يأتي التقرير في وقت يشهد فيه العالم تصاعدًا غير مسبوق في وتيرة تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدءًا من استخدامات النماذج اللغوية الضخمة مثل ChatGPT، ووصولًا إلى أدوات إنتاج المحتوى المرئي والمسموع والبرمجي. فالمملكة – التي أعلنت عن طموحها في أن تكون رائدة عالميًا في مجال الذكاء الاصطناعي – وجدت في هذا التقرير وسيلة استراتيجية لتوجيه السياسات، وتعزيز الشراكات، وبناء بيئة وطنية جاهزة لتبني هذا النوع من الذكاء.

إن توقيت الإصدار ليس مجرد مصادفة، بل يأتي استجابةً لحراك عالمي تقني واقتصادي وثقافي يتطلب من الدول أن تكون فاعلة لا متلقية، ومطورة لا مستهلكة فقط.

وتعد المحاور الرئيسة للتقرير كالاتى :
1. تعريف الذكاء الاصطناعي التوليدي
يفتتح التقرير بشرح مفهوم الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI)، موضحًا أنه فرع من فروع الذكاء الاصطناعي يركز على توليد محتوى جديد من بيانات موجودة، من خلال تدريب نماذج متقدمة على تقليد الأنماط البشرية، مثل الكتابة، الرسم، التأليف، الترميز، والبرمجة.
2. أبرز النماذج التوليدية
يسرد التقرير أهم النماذج العالمية في هذا المجال، مثل:
•ChatGPT وGPT-4 من OpenAI
•Bard من Google
•Claude من Anthropic
•Midjourney وDALL·E في توليد الصور
•نماذج توليد الفيديو والصوت مثل Synthesia وRunway
كما يشير إلى جهود عربية ناشئة تسعى لتطوير نماذج لغوية تراعي الهوية الثقافية واللغوية للمنطقة.
3. التطبيقات المحتملة للذكاء الاصطناعي التوليدي
يركز التقرير على تنوع وتوسع استخدامات الذكاء التوليدي في قطاعات عدة، مثل:
•القطاع الصحي: تحليل السجلات، تشخيص أولي، مساعدات طبية رقمية
•التعليم: بناء محتوى، تطوير مناهج، تقييم تلقائي
•الإعلام: توليد الأخبار، الفيديوهات، المحتوى التفاعلي
•الاقتصاد والأعمال: كتابة التقارير، التحليل المالي، دعم اتخاذ القرار
•الخدمات الحكومية: روبوتات دردشة، الترجمة، تسريع الإجراءات
4. الفرص الوطنية
يؤكد التقرير على الفرص الهائلة التي توفرها هذه التقنية، ومنها:
•تسريع الإنتاجية في القطاعات العامة والخاصة
•دعم الاقتصاد الرقمي القائم على المعرفة
•تحسين جودة الخدمات الحكومية
•دعم الابتكار وريادة الأعمال
•المساهمة في تحقيق الأمن السيبراني من خلال تحليل الأنماط والتهديدات
5. التحديات المرتبطة
رغم الفرص، لا يُغفل التقرير المخاطر المحيطة بهذه التقنية، والتي تشمل:
•احتمالات إساءة الاستخدام (الاحتيال، التضليل، الهجمات الإلكترونية)
•قضايا الخصوصية وحماية البيانات
•مشكلات التحيز الخوارزمي
•الإشكالات القانونية حول حقوق الملكية الفكرية
•توليد معلومات مضللة أو غير دقيقة
يشدد التقرير على أن تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي لا يمكن أن يتم دون إطار حوكمة متكامل، ومن أبرز ما أوصى به في هذا السياق:
•إعداد سياسات وطنية تنظم استخدام الذكاء التوليدي في القطاعات الحساسة
•تطوير أطر أخلاقية واضحة للحد من الانحياز وضمان الشفافية
•دعم البحث والتطوير في النماذج اللغوية العربية
•بناء البنية التحتية الرقمية (مراكز بيانات، قدرات حسابية عالية)
•إطلاق برامج وطنية للتدريب والتأهيل في هذا المجال
يندرج التقرير ضمن جهود المملكة لتحقيق مستهدفات رؤية 2030، خصوصًا فيما يتعلق بـ:
•تمكين التقنيات المتقدمة
•تحقيق الريادة العالمية في الذكاء الاصطناعي
•تحفيز الابتكار الوطني
•خلق فرص وظيفية نوعية
•تعزيز الشفافية والكفاءة الحكومية
وقد أوضح التقرير أن تبني الذكاء التوليدي ليس خيارًا تقنيًا فقط، بل هو خيار استراتيجي لبناء اقتصاد ومجتمع رقمي قائم على الكفاءة والمعرفة.
أنهى التقرير فصوله بعدد من التوصيات العملية، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
1.تعزيز الاستثمارات في البحث والتطوير
2.إطلاق شراكات مع القطاع الخاص لتطوير نماذج عربية متقدمة
3.تأسيس أطر تنظيمية مرنة تدعم التجريب دون تهديد الاستقرار
4.إطلاق حملات توعوية حول الاستخدام المسؤول للتقنية
5.بناء منظومة تعليمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي في تطوير المناهج
6.تحفيز ريادة الأعمال ودعم الشركات الناشئة في هذا المجال
ويُلاحظ أن التقرير لم يقتصر على تحليل تقني بحت، بل تجاوز ذلك إلى تأصيل فكري واستراتيجي يضع الذكاء الاصطناعي التوليدي ضمن منظومة أوسع من السياسات التنموية، حيث ربطه بمفاهيم مثل السيادة الرقمية، والتحول المؤسسي، وبناء اقتصاد معرفي مستدام. كما أشار التقرير إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي لا يمكن النظر إليه بمعزل عن بيئة البيانات، بل هو امتداد طبيعي لمجتمع المعلومات والبيانات الضخمة، ومكون رئيسي في البنية التحتية الرقمية لأي دولة تسعى للنهضة التكنولوجية.
وقد قدم التقرير تحليلاً دقيقًا لمشهد النماذج التوليدية العالمية، موضحًا الفروقات بين النماذج المفتوحة والمغلقة، وبين النماذج القابلة للتخصيص وتلك التي تعمل كنظام خدمات مغلق. ومن خلال هذه الرؤية، برزت الحاجة لتطوير نماذج عربية، ليس فقط من أجل المنافسة، بل لضمان مراعاة الخصوصية الثقافية واللغوية والقيمية. وهو ما يتطلب بناء منظومات متكاملة من مراكز البيانات، وبنى حسابية متقدمة، وقدرات بشرية وطنية قادرة على التدريب والتحسين والتطوير.
كما ناقش التقرير بعمق العلاقة بين الذكاء الاصطناعي التوليدي وسوق العمل، مؤكدًا أن بعض الوظائف ستتأثر بشكل مباشر من أتمتة المهام التكرارية والإبداعية معًا، لكن ذلك لا يعني التهديد بل يشير إلى تحول نوعي في المهارات المطلوبة، حيث ستكون القدرة على التفاعل مع النماذج الذكية، وفهم طريقة عملها، وتصميم مدخلاتها، مهارات أساسية في المستقبل القريب. وهذا يفرض على الجامعات ومراكز التدريب تبني مناهج جديدة، تستجيب لهذا التحول وتسهم في بناء رأس مال بشري قادر على الاستفادة من هذه الثورة بدلًا من أن يكون ضحية لها.
ويؤكد التقرير أن المسؤولية تقع على جميع الأطراف؛ من الحكومات إلى القطاع الخاص، ومن المؤسسات التعليمية إلى الأفراد، لتبني استخدام مسؤول، وواعٍ، وموجه للذكاء الاصطناعي التوليدي. فالتقنية لا تحمل الخير أو الشر بذاتها، بل بحسب كيفية استخدامها وتوجيهها. ولهذا شدد التقرير على أهمية الأطر الأخلاقية والحوكمة، وعلى الحاجة لإدماج مفاهيم العدالة، والشفافية، والخصوصية، والمسؤولية، في جميع مراحل تطوير واستخدام هذه النماذج.
وقد أظهر التقرير وعيًا مبكرًا بخطورة بعض التطبيقات، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في إنتاج محتوى زائف أو مضلل، وهو ما يُعرف بالـDeepfake، أو في نشر المعلومات غير الدقيقة التي قد تؤثر على الأمن الوطني أو النسيج الاجتماعي. ولهذا دعا التقرير إلى وضع قيود وضوابط ذكية، دون إعاقة الابتكار، وذلك من خلال ما يُعرف بالرملات التنظيمية أو المختبرات التشريعية، حيث يتم اختبار التطبيقات الجديدة في بيئات منظمة وآمنة قبل تعميمها.
ولا يمكن إغفال الإشارة إلى البُعد الإقليمي والدولي الذي تبناه التقرير، إذ أوصى بضرورة الدخول في شراكات دولية فاعلة، ومتابعة المبادرات العالمية، والمشاركة في صياغة معايير استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، بما يحفظ المصالح الوطنية ويمنع التبعية التكنولوجية. وقد أبرز التقرير كيف أن المملكة تملك المقومات الكافية ليس فقط للحاق بركب التقنية، بل لقيادته في المنطقة، عبر تحفيز الشركات الناشئة، والاستثمار في البحوث التطبيقية، وتطوير الأطر التنظيمية، وتنمية المهارات الرقمية.
ويُلاحظ أن التقرير لم يقتصر على تحليل تقني بحت، بل تجاوز ذلك إلى تأصيل فكري واستراتيجي يضع الذكاء الاصطناعي التوليدي ضمن منظومة أوسع من السياسات التنموية، حيث ربطه بمفاهيم مثل السيادة الرقمية، والتحول المؤسسي، وبناء اقتصاد معرفي مستدام. كما أشار التقرير إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي لا يمكن النظر إليه بمعزل عن بيئة البيانات، بل هو امتداد طبيعي لمجتمع المعلومات والبيانات الضخمة، ومكون رئيسي في البنية التحتية الرقمية لأي دولة تسعى للنهضة التكنولوجية.
وقد قدم التقرير تحليلاً دقيقًا لمشهد النماذج التوليدية العالمية، موضحًا الفروقات بين النماذج المفتوحة والمغلقة، وبين النماذج القابلة للتخصيص وتلك التي تعمل كنظام خدمات مغلق. ومن خلال هذه الرؤية، برزت الحاجة لتطوير نماذج عربية، ليس فقط من أجل المنافسة، بل لضمان مراعاة الخصوصية الثقافية واللغوية والقيمية. وهو ما يتطلب بناء منظومات متكاملة من مراكز البيانات، وبنى حسابية متقدمة، وقدرات بشرية وطنية قادرة على التدريب والتحسين والتطوير.
كما ناقش التقرير بعمق العلاقة بين الذكاء الاصطناعي التوليدي وسوق العمل، مؤكدًا أن بعض الوظائف ستتأثر بشكل مباشر من أتمتة المهام التكرارية والإبداعية معًا، لكن ذلك لا يعني التهديد بل يشير إلى تحول نوعي في المهارات المطلوبة، حيث ستكون القدرة على التفاعل مع النماذج الذكية، وفهم طريقة عملها، وتصميم مدخلاتها، مهارات أساسية في المستقبل القريب. وهذا يفرض على الجامعات ومراكز التدريب تبني مناهج جديدة، تستجيب لهذا التحول وتسهم في بناء رأس مال بشري قادر على الاستفادة من هذه الثورة بدلًا من أن يكون ضحية لها.
ويؤكد التقرير أن المسؤولية تقع على جميع الأطراف؛ من الحكومات إلى القطاع الخاص، ومن المؤسسات التعليمية إلى الأفراد، لتبني استخدام مسؤول، وواعٍ، وموجه للذكاء الاصطناعي التوليدي. فالتقنية لا تحمل الخير أو الشر بذاتها، بل بحسب كيفية استخدامها وتوجيهها. ولهذا شدد التقرير على أهمية الأطر الأخلاقية والحوكمة، وعلى الحاجة لإدماج مفاهيم العدالة، والشفافية، والخصوصية، والمسؤولية، في جميع مراحل تطوير واستخدام هذه النماذج.
وقد أظهر التقرير وعيًا مبكرًا بخطورة بعض التطبيقات، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في إنتاج محتوى زائف أو مضلل، وهو ما يُعرف بالـDeepfake، أو في نشر المعلومات غير الدقيقة التي قد تؤثر على الأمن الوطني أو النسيج الاجتماعي. ولهذا دعا التقرير إلى وضع قيود وضوابط ذكية، دون إعاقة الابتكار، وذلك من خلال ما يُعرف بالرملات التنظيمية أو المختبرات التشريعية، حيث يتم اختبار التطبيقات الجديدة في بيئات منظمة وآمنة قبل تعميمها.
ولا يمكن إغفال الإشارة إلى البُعد الإقليمي والدولي الذي تبناه التقرير، إذ أوصى بضرورة الدخول في شراكات دولية فاعلة، ومتابعة المبادرات العالمية، والمشاركة في صياغة معايير استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، بما يحفظ المصالح الوطنية ويمنع التبعية التكنولوجية. وقد أبرز التقرير كيف أن المملكة تملك المقومات الكافية ليس فقط للحاق بركب التقنية، بل لقيادته في المنطقة، عبر تحفيز الشركات الناشئة، والاستثمار في البحوث التطبيقية، وتطوير الأطر التنظيمية، وتنمية المهارات الرقمية.
إن إصدار تقرير الذكاء الاصطناعي التوليدي من قبل سدايا ليس مجرد توثيق للواقع، بل هو بيان استراتيجي عن نية المملكة للعب دور قيادي إقليمي ودولي في هذه الثورة التقنية. يمثل التقرير حجر أساس لبناء سياسات وطنية، وتحفيز الابتكار، وتوطين المعرفة، وتمكين جيل جديد من الكفاءات السعودية القادرة على صناعة مستقبل رقمي مزدهر.
وهو دعوة مفتوحة للتعاون العربي والدولي في تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي، ليس كأداة فقط، بل كمحرك للتحول الشامل نحو اقتصاد المعرفة.
هل تود تحويل هذا المقال إلى نسخة قابلة للنشر في مجلة، أو اقتراح تصميم إنفوجرافيك مرفق يلخص المحاور الرئيسية؟