الفرق بين مهندس الذكاء الاصطناعي وعالم البيانات

الفرق بين مهندس الذكاء الاصطناعي وعالم البيانات
كتب د. وائل بدوى
مع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، أصبح من المهم التمييز بين الأدوار المختلفة التي تساهم في تطوير هذه التكنولوجيا. من بين الأدوار الأكثر طلبًا في سوق العمل، نجد مهندس الذكاء الاصطناعي (AI Engineer) وعالم البيانات (Data Scientist)، وهما دوران يشتركان في بعض الجوانب ولكن يختلفان في العديد من المهام والمسؤوليات. فهم هذه الفروقات ضروري لأصحاب الأعمال الذين يسعون إلى بناء فرق فعالة في مشاريع الذكاء الاصطناعي، وكذلك للمتخصصين الذين يرغبون في تحديد المسار المهني الأنسب لهم.
على الرغم من أن كلا الدورين يعملان على تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، إلا أن طبيعة عمل كل منهما تختلف بشكل جوهري. عالم البيانات هو المسؤول عن تحليل البيانات وتنظيفها، واستخدام الإحصائيات والخوارزميات لاستخلاص رؤى تساعد في اتخاذ القرارات أو التنبؤ بالنتائج المستقبلية. في المقابل، يعمل مهندس الذكاء الاصطناعي على بناء وتطوير الأنظمة التي تدمج نماذج الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في التطبيقات الواقعية، مما يعني أن دوره أقرب إلى هندسة البرمجيات منه إلى التحليل الإحصائي.
وظيفة مهندس الذكاء الاصطناعي تعد حديثة نسبيًا مقارنة بعلم البيانات، حيث تطورت مع تزايد الحاجة إلى تطبيق نماذج الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في بيئات الإنتاج. على الرغم من أن البيانات الضخمة والتعلم الآلي ليست جديدة، إلا أن دمجها في أنظمة حقيقية يتطلب مهارات متخصصة في البنية التحتية السحابية، وإدارة الأنظمة، وتحسين أداء النماذج. لذلك، نجد أن الدور لا يزال في مرحلة التطور، مع اختلاف التعريفات بين الشركات المختلفة.
يتمحور دور مهندس الذكاء الاصطناعي حول نقل النماذج من مرحلة البحث والتطوير إلى الإنتاج، حيث يعمل على نشر نماذج الذكاء الاصطناعي وضمان تشغيلها بسلاسة في بيئة المستخدمين. بينما يركز علماء البيانات على تحليل البيانات واستنتاج الأنماط، فإن مهندسي الذكاء الاصطناعي يهتمون بتشغيل هذه النماذج في العالم الحقيقي، مما يشمل تحسين الخوارزميات، تقليل زمن الاستجابة، واختيار البنية التحتية المناسبة لضمان الأداء الأمثل.
يستخدم مهندسو الذكاء الاصطناعي أدوات وتقنيات متخصصة تشمل مبادئ تطوير البرمجيات، CI/CD، وDevOps، بالإضافة إلى أطر تعلم الآلة مثل TensorFlow وPyTorch، وخدمات الحوسبة السحابية مثل AWS، Google Cloud، وMicrosoft Azure. كما يعتمدون على أدوات مثل Kubernetes وTerraform لإدارة البنية التحتية، مما يعكس تقاطع دورهم مع مجالات هندسة البرمجيات وتقنيات الحوسبة السحابية.
في المقابل، يتطلب دور عالم البيانات مهارات أعمق في تحليل البيانات والإحصاء، حيث يقوم بجمع البيانات الأولية وتنظيفها، ثم استخدام تقنيات مثل النماذج الإحصائية، والتعلم الآلي، والتنقيب عن البيانات لاستخراج المعرفة. يعتمد علماء البيانات على أدوات مثل R وSQL، بالإضافة إلى مكتبات بايثون مثل pandas وNumPy وscikit-learn لتحليل البيانات، وأدوات التصور مثل Matplotlib وSeaborn وTableau.
على الرغم من التشابه في بعض الجوانب، فإن هناك اختلافات رئيسية بين الوظيفتين. مهندسو الذكاء الاصطناعي يركزون على تنفيذ الحلول القابلة للنشر والتشغيل الفعلي، بينما يركز علماء البيانات على استكشاف البيانات وتصميم النماذج التحليلية. كما أن مهندسي الذكاء الاصطناعي غالبًا ما يعملون مع فرق البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات لضمان تكامل الأنظمة، في حين أن علماء البيانات يتعاونون بشكل أكبر مع أصحاب القرار وفرق التسويق لفهم الاتجاهات التجارية واستراتيجيات الأعمال.
لفهم هذا الفرق بشكل عملي، تخيل شركة سيارات تعمل على تطوير نظام ذكاء اصطناعي للمساعدة في القيادة. سيبدأ علماء البيانات بجمع وتحليل بيانات أجهزة الاستشعار مثل الكاميرات والرادارات، ثم تصميم نماذج تعلم آلي للتعرف على الأجسام والمشاة والسيارات الأخرى. بمجرد تطوير النموذج، يأتي دور مهندسي الذكاء الاصطناعي في تحسين الأداء ونشر النموذج داخل السيارة، مع مراعاة سرعة الاستجابة وتقليل استهلاك الموارد لضمان تشغيله بكفاءة.
مثال آخر هو أنظمة التوصية في المتاجر الإلكترونية. يبدأ عالم البيانات بتحليل بيانات الشراء السابقة، وبناء نموذج يتنبأ بما قد يرغب العميل في شرائه. بعد ذلك، يقوم مهندس الذكاء الاصطناعي بتطوير بنية تحتية تتيح تقديم التوصيات للعملاء في الزمن الفعلي، مما يتطلب تحسين الأداء والدمج مع أنظمة التجارة الإلكترونية القائمة.
مع التطور المستمر في تقنيات الذكاء الاصطناعي وتزايد تبنيها في مختلف الصناعات، يزداد الطلب على كل من مهندسي الذكاء الاصطناعي (AI Engineers) وعلماء البيانات (Data Scientists)، ولكن مع تحديد أكثر وضوحًا للأدوار والمسؤوليات التي يؤديها كل منهم. وبينما تعمل الشركات على بناء فرق ذكاء اصطناعي قوية، فإن فهم الفروق الجوهرية بين هذين التخصصين يصبح أكثر أهمية لضمان توظيف الأشخاص المناسبين في الأماكن المناسبة.
على الرغم من اختلاف المهام اليومية لكل من مهندس الذكاء الاصطناعي وعالم البيانات، إلا أن نجاح مشاريع الذكاء الاصطناعي يعتمد على التعاون بينهما. عادةً، يبدأ العمل بتحليل البيانات وتصميم النماذج بواسطة علماء البيانات، ثم يقوم مهندسو الذكاء الاصطناعي بتحويل هذه النماذج إلى حلول عملية قابلة للنشر والاستخدام على نطاق واسع.
هذا التعاون يخلق دورة متكاملة من تطوير وتحسين النماذج، حيث يتفاعل كلا التخصصين مع بعضهما البعض بشكل مستمر. على سبيل المثال:
•عالم البيانات قد يكتشف أن النموذج يعاني من مشكلة في دقة التنبؤ بسبب نقص أو عدم دقة البيانات، فيقوم بتحسين جودة البيانات أو استخدام تقنيات تعلم آلي جديدة.
•مهندس الذكاء الاصطناعي قد يواجه تحديات تتعلق بسرعة استجابة النموذج عند نشره في بيئة حقيقية، مما يجعله يعمل مع عالم البيانات لتحسين كفاءة النموذج أو اختيار بنية تحتية أكثر توافقًا مع متطلبات الأداء.
مع تزايد اعتماد المؤسسات على الذكاء الاصطناعي، من المتوقع أن تستمر الفروق بين مهندس الذكاء الاصطناعي وعالم البيانات في التطور، وربما تظهر أدوار متخصصة أكثر دقة. ومن بين الاتجاهات التي قد نشهدها في المستقبل:
1.زيادة التركيز على الذكاء الاصطناعي الإنتاجي (MLOps)
•مع استمرار الشركات في نشر نماذج الذكاء الاصطناعي في بيئات حقيقية، سيكون هناك طلب متزايد على متخصصي MLOps الذين يمكنهم تحسين عمليات نشر النماذج، ومراقبة أدائها، والتعامل مع التحديات التشغيلية.
2.تقاطع أكبر بين علم البيانات والهندسة البرمجية
•قد نرى زيادة في عدد علماء البيانات الذين يطورون مهارات هندسية أقوى، مما يسمح لهم بالمشاركة في نشر النماذج، وكذلك زيادة في عدد مهندسي الذكاء الاصطناعي الذين يكتسبون فهمًا أعمق لعلم البيانات والتعلم الآلي.
3.تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي المؤتمتة
•مع ظهور تقنيات AutoML والتعلم الآلي بدون كود، قد تصبح بعض جوانب عمل علماء البيانات مؤتمتة أكثر، مما يسمح لهم بالتركيز على المشكلات الأكثر تعقيدًا، في حين يعمل مهندسو الذكاء الاصطناعي على تحسين استهلاك الموارد وكفاءة النشر.
4.توسع في استخدام الذكاء الاصطناعي في الصناعات غير التقنية
•تقليديًا، كان الذكاء الاصطناعي محصورًا في الشركات التكنولوجية الكبيرة، ولكن مع تزايد تبنيه في مجالات مثل الرعاية الصحية، والتصنيع، والمالية، سيصبح دور كل من مهندسي الذكاء الاصطناعي وعلماء البيانات أكثر أهمية في قطاعات متنوعة.
إذا كنت مهتمًا بهذا المجال وتتساءل عن المسار المناسب لك، فإليك بعض الأسئلة التي قد تساعدك في اتخاذ القرار:
•هل تستمتع بتحليل البيانات والتوصل إلى رؤى جديدة منها؟ إذا كان الجواب نعم، فقد يكون مجال علم البيانات هو الأنسب لك.
•هل تحب العمل على تطوير التطبيقات والبنية التحتية البرمجية؟ إذا كان الجواب نعم، فإن هندسة الذكاء الاصطناعي قد تكون الخيار الأفضل.
•هل تحب العمل مع فرق متعددة، بما في ذلك فرق إدارة المنتجات والهندسة البرمجية؟ إذا كان الجواب نعم، فإن مهندس الذكاء الاصطناعي يتطلب تفاعلًا أكبر مع هذه الفرق.
•هل تفضل التركيز على الإحصاء والتحليل، أم على البرمجة والتطبيق؟ علماء البيانات يميلون إلى استخدام التحليل الإحصائي والاستكشاف، بينما مهندسو الذكاء الاصطناعي يركزون على بناء أنظمة فعالة ومتينة.
في النهاية، كل من مهندسي الذكاء الاصطناعي وعلماء البيانات يلعبون دورًا حيويًا في تطوير الذكاء الاصطناعي، ولكن بطرق مختلفة. عالم البيانات هو العقل التحليلي الذي يبتكر النماذج والتنبؤات، بينما مهندس الذكاء الاصطناعي هو اليد التي تجعل هذه النماذج قابلة للاستخدام في الواقع العملي. مع استمرار تطور التكنولوجيا، سيصبح هذان الدوران أكثر تخصصًا، مما يوفر فرصًا واسعة للمبتكرين والمطورين الذين يسعون إلى التميز في هذا المجال.
بشكل عام، تعتمد كل من الوظيفتين على مهارات متداخلة في البرمجة والتعلم الآلي، لكن كل منهما يركز على جانب مختلف من دورة حياة الذكاء الاصطناعي. فمهندس الذكاء الاصطناعي يهتم بجعل الذكاء الاصطناعي قابلاً للاستخدام في البيئات الحقيقية، بينما يهتم عالم البيانات باكتشاف الأنماط وإنشاء النماذج. مع تزايد الحاجة إلى الذكاء الاصطناعي، من المتوقع أن يستمر هذان الدوران في التطور، مع وضوح أكبر في التعريفات والمسؤوليات المستقبلية لكل منهما.